وادي الدواسر-الوئام: على بُعد 650 كيلو مترا من منطقة الرياض باتجاه الجنوب نحو محافظة وادي الدواسر، تقع عينين حارتين في مركز “الجوبة”، التي أطلق عليها أهالي الوادي هذا الإسم لجفاف أرضها في الماضي وصعوبة تضاريسها الطبيعية، وذاع صيت هاتين العينين بين الناس لقيمتهما العلاجيّة، لتصبحا في غضون سنوات قليلة محط أنظار العديد من زوّار المحافظة، ومقصداً سياحياً للباحثين عن الاستشفاء من داخل المملكة وخارجها. وتعود قصة اكتشاف عيني الجوبة الحارة إلى أكثر من 15 عاماً مضت، حين همّ المواطن رسلْ بن مسفر الدوسري، بحفر بئراً ارتوازية بعمق 600 متراً لسقيا أرضه التي يزرع فيها النخيل، والذرة، والبرسيم، ويفوق ذلك مستوى حفر الآبار الارتوازية بوادي الدواسر التي تتراوح في العادة ما بين 30 متراً إلى 450 متراً تبعاً لاختلاف نوعية طبقة الأرض التي تختزن المياه بين صخورها، مشيراً إلى أنه لاحظ أثناء تدفق مياه البئر أنها شديدة الحرارة ومائلة إلى الإصفرار. وأوضح الدوسري في حديث لوكالة الأنباء السعودية من مقرّ العين الحارة، أنه فضّل الإبقاء على هذه البئر عندما علم أن نوعية المياه المتدفقة تحتوي على مواد كبريتية صالحة لعلاج الإنسان، وقام بسحب المياه بمضخات آلية لإيصالها إلى حوضين خارجين في أطراف أرضه بقرية “المصارير”، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وجعلهما سبيل لوجه الله لمن يرغب الاستفادة منهما في العلاج، مبيناً أنه عاد لحفر بئر آخرى لسقيا مزرعته لكي لايؤثر على هذه العين. وأشار إبن مسفر إلى أن فريق من وزارة الصحة زار مقر البئر قبل سنوات، وأجرى تحاليل طبية عليها، وتم أثرها تسليمه شهادة تثبت أن مياه بئر الجوبة تحتوي على 18 مادة معدنية مفيدة للإنسان، كما أكد أنه يملك شهادات موقعة من أكثر من 100 شخص اغتسلوا بهذه المياه على مرّ السنين، وشفيوا بفضل الله مما كانوا يعانون منه من أمراض ألمت بهم سواء كانت جلدية أو مزمنة. وناشد الجهات المختصة ذات العلاقة إلى الالتفات إلى هذه العين، وتوفير الخدمات اللازمة لها من إنارة وغيرها، دون أن يكون له منها أي مردود مالي لأنه وضعها لوجه الله، مبيناً أن العين أضحت مقصداً طبياً للعديد من المحتاجين للعلاج من داخل المملكة، والدول الخليجية والعربية. ووفقاً لتقرير أعده وصوره محمد القحطاني في وكالة الانباء السعودية فانه وفي مكان قريب من البئر الأولى، لاحظ أحد أهالي الجوبة محمّد بن هادي الدوسري، قبل عشر سنوات مضت خروج مياه فوارة حارة من مزرعته، فقام أثرها بحفر بئر بعمق 625 متراً في مكان الفوارة، فتفقدت منه مياه حارة بكميّات وفيرة، وُصفت علمياً بأنها مياه جوفية كبريتيه خرجت من الشقوق الصخرية بصورة طبيعية على حساب منسوب المياه وطبيعة الأرض، وتحتوي على مواد معدنية مذابة. وقال إبن هادي في حديث مماثل ل واس قرأت الكثير من المعلومات عن فائدة هذه المياه في العلاج، فأنشأت مقرّاً لهذه البئر لخدمة من يقصد هذه المياه الحارة، وتم سحب المياه من البئر عبر 60 أنبوباً لتصب في حوض للسباحة خصّص للرجال بعمق يتراوح من متر إلى متر ونصف، وزوّد بأدوات السلامة والبيئة الصحية، مع توفير كافة تجهيزات السباحة، ليتمكن الجميع من العوم فيها دون أي معاناة. وأضاف أنه تم على مرّ السنين تطوير موقع العين الحارة، من خلال بناء 12 مسبحاً خاصاً في قسمين مستقلين ستة للرجال وأخرى النساء، وبمساحة متر في متر وعمق نصف متر لكل مسبح، مُلحق بالموقع قسم للعلاج الطبيعي، ومرافق خدميّة مختلفة، وحدائق طبيعية، ومُصلى، علاوة على شاليهات سكنية عائلية يتضمن كل شاليه مسبح للمياه الكبريتية، لتوفير الخصوصية لكل عائلة. وأبان أن مقر العين الحاره يفد إليه يومياً أكثر من 100 شخص من المملكة العربية السعودية والدول الخليجية والعربية، ويرتفع العدد في الإجازات، إضافة إلى زيارة العديد من المسؤولين والباحثين في مجالات الطب، والمياه، وعلوم التربة، والدبلوماسيين المقيمين في المملكة، موضحاً أنه زود مقر العين بمياه معدنية عادية للإستحمام بعد الخروج من المياه الحاره، لتلافي وقوع أي حساسية قد تتسبب فيها المياه الكبريتية بحرارتها العالية. ومن خلال جولة ل”واس” في عيني الجوبة الحارة، التقت عدداً من قاصديها الذين قدموا للعلاج بمياهها، حيث بيّن أحد أهالي وادي الدواسر أبو حسين (73 عاماً) أنه يتردد على عين الجوبة للتخفيف من معاناة حساسية الجلد وآلام المفاصل التي لازمته سنين طوال، مشيراً إلى أنه لا يحب تناول الأدوية التي يكتبها له الأطباء في المستشفيات، ويكتفي بالسباحة والإغتسال بالمياه الحارة كل ثلاثة أيام أو يومين في الأسبوع، لأنها تشعره بالارتياح الشديد وتخفف آلام معاناته. من جانبه، أفاد أبو عبدالرحمن (45 عاماً) القادم من المنطقة الشرقية ذاهباً إلى المنطقة الجنوبية لقضاء إجازة الصيف، أنه يحرص دائماً أثناء عبوره وادي الدواسر كل عام، أن يدلف إلى عين الجوبة مع أفراد أسرته، وذلك للاغتسال بمياهها الحارة، حيث يشعر بنشاط في جسمه بعد أن يسبح في مياهها، ليعوض من خلالها إرهاق طول المسافة التي قطعها براً من المنطقة الشرقية. كما قال ثلاثة من الشباب السعوديين القادمين من الرياض، أنهم يأتون إلى العين الحارة كل ثلاثة أشهر، من أجل علاج بعض الأمراض الجلدية التي يعانون منها، مثل: الفطريات، حيث نصحهم بها العديد من أطباء الجلدية، مؤكدين أنهم وجدوا تجاوباً ايجابياً بفضل الله من العين الحارة خففّت مما يعانون منه. وأوضح أربعة من الجنسية التركية أعمارهم تتراوح ما بين الثلاثين إلى الخمسين، أنهم يأتون من الأفلاج إلى عين الجوبة كل ثلاثة اسابيع تقريباً، من أجل ممارسة السباحة في مياهها الحارة والإغتسال بها، كونها تكسبهم النشاط والحيوية وتليّن مفاصل عظامهم، مبينين أن هذه العادة قد اكتسبوها من بلادهم التي تشتهر بحماماتها الطبيعية الساخنة. وفي ذلك السياق، قال استشاري جراحة المسالك البولية وأمراض الذكورة والعقم في كلية الطب بجامعة الملك سعود الدكتور صالح بن صالح، إن الحمامات الكبريتية الحرارية مناسبة لعلاج عدد من أمراض الجهاز العضلي الهيكلي، والروماتيزم، والجلدية، مبيناً أن تأثير دفء المياه يزداد بفعل كبريت الهيدروجين، الأمر الذي يمكن رؤيته بوضوح في احمرار الجلد. ولفت الدكتور صالح في تصريح لوكالة الأنباء السعودية، إلى أن الاستحمام بمياه العيون الكبريتية يعمل على استرخاء العضلات في كل أجزاء الجسم، فتصبح الأنسجة الرابطة في الجسم أكثر مرونة وتتسع الأوعية الدموية وتزيد نبضات القلب وتتسارع عملية التمثيل الغذائي (الأيض)، منبهاً من الجلوس في ماء الجاكوزي أو في مياه العيون الحارة لفترات طويلة، حيث يؤدي ذلك الى رفع حرارة الخصية، والتأثير على قدرة الخصية على إنتاج الحيامن. وأضاف أن الخصيتين تتقلّصان في الشتاء وتقتربان من البطن، وتتمددان في فصل الصيف، الأمر الذي يجعل كيس الصفن يعمل كالترموستات المنظم للحرارة المحيطة بالخصيتيتن حيث تتراوح درجة الحرارة فيه مابين 25 درجة مئوية في الشتاء و33.7 درجة مئوية بالصيف، وهي درجات حرارة عادية لا تؤثر على عمليات الإنجاب لدى الرجل، إلا أنه لو ارتفعت درجة حرارة الكيس عن 34.1 درجة مئوية، فإن الحالة تستدعي مراجعة الطبيب.