لا يستشعر الطالب صالح الوادعي الجو الدراسي في ابتدائية الزبرقان على الشريط الحدودي بظهران الجنوب أسوة بطلاب المدارس الأخرى، فهو يخرج من منزله كل صباح متجهاً إلى مدرسته التي هي في الواقع مبنى صمم ليكون منزلا، ماراً بمبنى حكومي توقف العمل فيه منذ 5 سنوات كان يفترض أن يكون مدرسته. وفي أرض فلاة مجاورة لمدرستهم المستأجرة يصطف صالح وإلى جواره زملاؤه لتأدية بعض التدريبات الرياضية في هدوء تحيط بهم جدران مقبرة، ويتجهون إلى غرف ضيقة إحداها كانت مطبخاً أخفيت صنابيره ببعض الوسائل التعليمية ليتلقوا تعليماً نظرياً حتى في حصص الحاسب الآلي والعلوم. ولا يكاد يهدأ الغبار في الأرض الترابية بعد حصة رياضية حتى يعود إليها الطلاب لتناول إفطارهم مصحوباً بذرات الغبار. وقد يكون حال صالح وزملائه أفضل من أقرانهم في مجمع مدارس الحاجر والذين يشربون مياها ملوثة تشاركهم فيها القرود. وفي ذات الوقت يعاني معلمو تلك المدارس من تخفيض بدل النائي الجبلي إلى 10% في حين يحصل زملاؤهم في مناطق تعليمية مجاورة على 75%. قصور كشفت الزيارة التفقدية التي قام بها فريق عمل متكامل من الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة عسير برئاسة مديرها العام جلوي آل كركمان لنحو 22 مدرسة على الشريط الحدودي بمحافظة ظهران الجنوب عن كثير من جوانب القصور في تلك المدارس، خاصة فيما يتعلق بالتجهيزات المدرسية ووسائل النقل والمشاريع المدرسية وعدم الرضا الوظيفي لدى المعلمين. بداية غير مشجعة ولم تكن المحطة الأولى للفريق مشجعة، حيث استقبلهم أولياء الأمور في مدرسة عبدالله بن المبارك الابتدائية والمتوسطة بمركز كحلا داخل المبنى المستأجر، مطالبين بوجود مبان حكومية للمدارس، وإنشاء ثانوية في مركزهم، حيث استغرب أولياء الأمور من مرور نحو 30 عاما على إنشاء ابتدائية في المركز ولم تنشأ ثانوية، شارحين ما يعانيه الطلاب من التنقل إلى المراكز المجاورة للحصول على التعليم الثانوي. ولم تكن معاناة الطلاب هي الوحيدة التي واجهت الفريق، حيث انبرى المعلم صالح مصلح القحطاني في شرح معاناتهم بتخفيض بدل النائي قائلاً "بدل النائي سلب من المعلمين في المدارس التابعة لإدارة التربية والتعليم بمحافظة سراة عبيدة، وذلك بتخفيض نسبة بدل النائي في المناطق الجبلية من 75% إلى 10% في الربوعة وإلى40% في كحلا, كما يحرم أبناء المعلمين القادمين من خارج الربوعة من المكافأة المعطاة لطلاب المركز." فيما طالب المعلم مهدي القحطاني إطلاعهم على التعاميم الوزارية التي حرمتهم من حقوقهم المادية في هذه المنطقة الحدودية الوعرة، وقال "لم نوقع حتى الآن على أي مسيُر يتضمن الحسم الرجعي من مرتباتنا"، كما تطرق إلى افتقاد مدرستهم لمعمل حاسب آلي ومصادر تعلم على الرغم من توجيه معلم حاسب للمدرسة." علاقة متوترة وما إن وصل فريق العمل لمدرسة عمير بن سعد الابتدائية والمتوسطة بمركز علب على الشريط الحدودي حتى انبرى عدد من أهالي المركز إلى تقديم شكواهم للفريق من منسوبي المدرسة, عندها تدخل مدير المدرسة مسفر الوادعي للدفاع عن زملائه مؤكدا أنهم أهل للثقة وأثنى على كلامه مدير تعليم سراة عبيدة يحيى آل فائع الذي وصف المعلمين بالأكفاء والمخلصين، وتركزت مطالب المعلمين على ضرورة تفعيل التعليم الإلكتروني، حيث تفتقد المدرسة لخدمات الإنترنت مما جعل بعض المعلمين يعتمدون على طرق تدريس تقليدية لم تعد مناسبة لمرحلة تطوير التعليم الحالية والتي شرعت فيها الوزارة على الرغم من وجود مركز لمصادر التعلم. مطالب وشهدت جولة فريق العمل لمدارس المجازة والحاجر -أقرب المدارس للشريط الحدودي- حوارا صريحا ومكشوفا بين مدير عام التربية والتعليم بعسير ومعلمي تلك المدارس الذين طلبوا من المدير العام ومرافقيه ضرورة تحقيق مطالبهم والمتمثلة في زيادة المكافأة الجبلية، وقال المعلم مهدي الوادعي "نجهل الآلية المتبعة في الوزارة فيما يتعلق بنسبة النائي للمناطق الجبلية والحدودية حيث إن المتبع في تعليم سراة عبيدة يختلف جذريا عن باقي الإدارات التعليمية الحدودية," وأضاف "إن مدارس المجازة تحتاج إلى توفير ملاعب وصالات مغلقة للأنشطة"، كما طالب أحد أعيان المجازة، معيض بن صالح، بضرورة افتتاح مدرسة للمرحلة الثانوية في المركز وقال "أبناؤنا يعانون من خطورة الانتقال إلى مدرسة البستان الثانوية بالحاجر البعيدة عنا، كما أن أكثر شباب المركز ينتهي مؤهلهم عند المرحلة المتوسطة". بدوره شدد المعلم عبدالله عوض الوادعي على ضرورة تفعيل مكتب التربية والتعليم بظهران الجنوب وإعطائه الصلاحيات الكاملة في تشكيل المكتب بالكفاءات الموجودة في الميدان والتي لم تأخذ فرصتها خلال العقدين الماضيين. انتظار الوعد ما زال طلاب متوسطة عمير بن أبي وقاص بقرية الغيل ينتظرون وعد مدير تعليم سراة عبيدة بتوفير معمل للحاسب الآلي بعد أن وعدهم بذلك، حيث يتلقون تعليمهم نظرياً أو على جهاز المعلم في ظل انعدام معمل الحاسب الآلي ومركز مصادر التعلم. مياه ملوثة ولم تكن المحطة الأخيرة لمدير عام التربية والتعليم بعسير وفريقه المرافق أفضل من سابقتها حيث فاجأهم أحد منسوبي مجمع مدارس الحاجر الحدودي بعدم وجود مياه صالحة للشرب أو الاستخدام الآدمي، وقال "لا يوجد متعهد لجلب المياه للمجمع، مما يجعل طلاب ومنسوبي المجمع مجبرين على استخدام مياه إحدى الآبار المجاورة، كما أن بعض الطلاب يشربون من تلك المياه رغم التنبيه بعدم صلاحيتها للشرب، كون القرود تشرب من تلك البئر،" عندها تساءل آل كركمان عن المتعهد حيث أكد له وكيل المدرسة مغدي آل خرصان عدم وجود متعهد، وقال "خاطبنا إدارة تعليم سراة عبيدة بذلك أكثر من مرة لكن دون تجاوب"، وأضاف "حتى النثريات وأوراق التصوير ندفع قيمتها من حسابنا الخاص، كما أن هناك آلتي تصوير خاصة بالمدرسة أرسلتا للصيانة منذ 8 أشهر وما زالتا في إدارة التعليم"، فيما أكد المعلم محمد الحسيني افتقاد المجمع لخدمات الإنترنت، وقال "لم نستفد من التعليم الإلكتروني الذي تبنته الوزارة منذ 6 سنوات"، وأضاف "حتى إدخال الدرجات التحصيلية للطلاب أسجلها في منزلي خارج أوقات الدوام الرسمي". بدوره تداخل رئيس قسم الإدارة المدرسية بتعليم سراة عبيدة سعيد آل عاطف الذي أكد توفر جميع الخدمات والتجهيزات من قبل الإدارة لمجمع الحاجر خاصة أنه كان مديرا سابقا للمجمع, عندها عقب عليه المرشد الطلابي حسين صالح آل زاهر بقوله "إن المجمع يفتقد لوسائل النقل وإلى الملاعب والصالات المغطاة وتفعيل التعليم الإلكتروني وعقد ندوات ومحاضرات مستمرة بهدف غرس القيم في نفوس الناشئة." تجمع للأهالي وكان عدد من أهالي محافظة ظهران الجنوب قد تجمعوا في وسطها بالقرب من مقر ثانوية ومتوسطة سعد بن أبي وقاص منتظرين فريق العمل إلا أنهم لم يحظوا بمقابلتهم بسبب ضيق الوقت وعدم إدراج ذلك اللقاء في جدول الزيارة، وأكد حسين أحمد أبو ثيبة "ولي أمر" حاجة محافظة ظهران الجنوب إلى التعجيل بربط تعليم البنين بالإدارة العامة بعسير أسوة بتعليم البنات، وقال "نتطلع للقاء قريب بمدير تعليم عسير لنطلعه على معاناة أبنائنا من الزحام الذي تشهده مدرسة سعد بن أبي وقاص المتوسطة والثانوية وقد تقدمنا منذ سنوات بضرورة إيجاد مبنى مستقل للمرحلة الثانوية ولكن دون جدوى، وهو ما ينعكس سلباً على المستوى التحصيلي لنحو 700 تلميذ". من جهته طالب عوض يحيى القحطاني بمنح الصلاحيات الكاملة لمكتب التربية والتعليم بمحافظة ظهران الجنوب، وقال "ينطلق من مكتب الإشراف التربوي 6 مشرفين فقط على مدارس المحافظة، فيما مكتب التعليم النسوي المجاور يحظى باستقلالية كاملة، تقدم نحو 70 مشرفة من منسوباته عملهن"، متسائلاً عن أسباب تأخير قرار ربط تعليم ظهران الجنوب بعسير. تجهيزات متكاملة وفي ختام الزيارة عمد آل كركمان الإدارات المختصة بزيادة وسائل النقل ودعم المدارس بجميع التجهيزات المدرسية، وكذلك استحداث ملاعب مزروعة وصالات مغطاة لمدارس المجازة والحاجر، مؤكدا على أهمية الاهتمام برعاية فكر الناشئة والعمل على تقديم الخدمات الإرشادية والتربوية، وإشراك أولياء الأمور في العملية التربوية، وتشجيع الطلاب على البحث والتجريب والتعلم الذاتي من خلال المقررات الدراسية، وتشجيعهم على الحوار والاستفادة من حياتهم العملية. 18 مركزاً لمصادر التعلم بعد زيارة الفريق، صدر قرار إداري من مدير التربية والتعليم بسراة عبيدة يحيى آل فايع يتضمن تخصيص 18 مركزاً لمصادر التعلم بمدارس البنين في مختلف مدارس الإدارة التعليمية. ومن جهته تحفظ آل فائع على التعليق على استفسارات "الوطن" حول بعض النقاط التي أثارها أولياء أمور الطلاب ومعلمو مدارس الشريط الحدودي بظهران الجنوب، ولم يرد على الاتصالات والرسالة النصية.