لا يمر مسافر على الطريق المؤدية من جدة إلى رابغ إلا ويرى العديد من اللوحات التي تدعو المواطنين إلى التفكير في مستقبل الحياة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، من خلال لافتات مثل تلك التي تظهر طفلة تذهب إلى مدرستها، أو الأخرى التي تظهر امرأة تعتزم الذهاب إلى التسوق. غير أن مشاهدي لوحات مدينة الملك عبدالله لا يمكنهم على الأرجح تخيل الجهد الذي تبذله شركة إعمار المدينة الاقتصادية، المطور الرئيس للمدينة، في سبيل تجاوز الظلال التي ألقتها الأزمة المالية العالمية، وإقناع الكثير من المستثمرين بغية جذبهم للاستثمار في المدينة. ف"إعمار" تتحرك إلى مستوى يتجاوز جذب المواطنين والمتسوقين والأطفال في سن التعليم الابتدائي لتطوير المشروع، فهي تبحث اليوم عن شركات إعلامية ومصانع ومطورين عقاريين ومستثمرين سياحيين للاستثمار في المدينة التي يخطط القائمون عليها أن توفر أكثر من مليون فرصة عمل عند اكتمالها عام 2025. وفي ظل الظروف الأخيرة التي مر بها العالم وانعكست على القطاع المصرفي السعودي، وأدت إلى زيادة المخصصات وتراجع الإقراض، فإن "إعمار المدينة الاقتصادية" تواجه تحديا في جذب المستثمرين للمشروع، وتعول كثيراً في المرحلة القادمة على عدد من المشاريع ستساعد في إعادة جاذبية مدينة الملك عبدالله لدى المستثمرين. من أهم هذه المشروعات مشروع قطار الحرمين الذي ستكون إحدى محطاته في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، إلا أن هذا القطار لن يمر في المدينة قبل عام 2012، كما تعول المدينة على مشروع قطار الجسر البري الذي سيربط شرق المملكة بغربها بقطار للبضائع، إلا أن هذا المشروع لن يمر فيها كذلك قبل عام 2012. وتعول شركة إعمار كذلك على المدينة الإعلامية التي تريد أن تطورها على مساحة قدرها 800 ألف متر مربع بالشراكة مع كل من شركتي إم بي سي، وراديو وتلفزيون العرب "إيه آر تي" لجذب المستثمرين إليها. وكان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة قام بزيارة إلى المدينة مطلع هذا العام، قال فيها إن كل المعايير الإعلامية المثالية ستكون في المدينة الإعلامية التي من المقرر أن تنشئها شركة إعمار المدينة الاقتصادية في مدينة الملك عبدالله. وتسعى الشركة كذلك إلى جذب الاستثمارات للمنطقة الصناعية والتي تم تأجير نصف الأراضي فيها في المرحلة الأولى، لتبدأ إعمار المدينة الاقتصادية بعدها في تطوير المرحلة الثانية من المدينة الصناعية، قبل أن تنتهي من تأجير النصف الآخر من المرحلة نظراً للإقبال الكبير الذي تتوقعه الشركة للمنطقة الصناعية. ويسكن في المدينة نحو 500 شخص اليوم، إلا أن إعمار المدينة الاقتصادية تسعى إلى جذب 34 ألف ساكن إليها في غضون الأعوام الأربع المقبلة، لتوفر لهم 13 ألف وظيفة. والمهمة الأصعب للشركة هي في الحصول على تدفق مستقر من الاستثمارات إلى المدينة خلال الأعوام المقبلة لتنفيذ المرحلة الثالثة من مخطط تطوير المدينة، والذي من المفترض أن يجذب مليوني ساكن إليها ما بين أعوام 2014 و2025. وكان المدير الأول التنفيذي لتطوير الأعمال في المدينة قد أوضح في عرض مرئي هذا الشهر أمام المستثمرين السياحيين في المدينة أن شركة إعمار المدينة الاقتصادية تمكنت حتى الآن من تطوير 5% من المدينة الاقتصادية، منذ أن بدأ العمل فيها في عام 2007 والتي من المتوقع أن تصل تكلفة إنشائها بنحو 100 مليار ريال. وتأخر العمل في العديد من المشروعات المهمة في المدينة بسبب الأزمة المالية العالمية، وبخاصة مشروع الميناء الرئيس للمدينة الذي من المتوقع أن يتأخر إنجازه بواقع سنة أخرى عن المخطط له، ليبدأ التشغيل بعد عامين على الأقل من الآن. وكانت شركة إعمار وقعت مذكرة تفاهم في عام 2008 مع شركة موانئ دبي العالمية لتطوير الميناء الذي تخطط له أن يكون الأكبر في العالم، إلا أن الشركة الإماراتية لم تستطع أن تكمل المشروع بسبب تعرضها للأزمة المالية العالمية. ودخلت إعمار في شراكة مع مجموعة بن لادن السعودية لتطوير أعمال الميناء الذي من المتوقع أن تكلف المرحلة الأولى منه 4 مليارات ريال، والتي يفترض أن تنتهي في عام 2012 ليبدأ الميناء في استقبال 1.7 مليون حاوية سنوياً. ولكن خطط إعمار المدينة الاقتصادية لجذب المستثمرين إلى الميناء لن تكون سهلة كذلك حتى بعد انتهاء الأزمة المالية، فميناء جدة الذي يسعى ليكون الميناء المحوري الأول للمملكة قد تمكن من رفع طاقته الاستيعابية بصورة كبيرة في العامين الأخيرين. وأصبح ميناء جدة اليوم يستوعب 6.5 ملايين حاوية سنوياً من المفترض أن ترتفع إلى 15 مليون حاوية خلال العشر السنوات القادمة، فيما تخطط إعمار لأن تبلغ سعة ميناء المدينة 20 مليون حاوية عند الانتهاء منه، ولكنها لم تحدد متى بالضبط سيتم ذلك، وهو ما قد يستغرق أكثر من عشر سنوات. ولم تقف معاول الحفر وأعمال الإنشاءات رغم الضربة الموجعة التي تلقتها في العام الماضي بسبب الأزمة المالية. وواجهت الشركة أوقاتا صعبة بسبب غياب التمويل من قبل القطاع الخاص الذي هو المطور الأول والمساهم في بناء المدينة، وهو ما دفع بالحكومة إلى أخذ قرار بإقراض المدينة مبلغ 5 مليارات ريال لتسريع إنجاز المشروع، بحسب ما أكدته عدة مصادر مطلعة على سير المدينة ل"الوطن" ولوكالات أنباء عالمية. وقال مصدر مطلع على سير المشروع: مدينة الملك عبدالله الاقتصادية هي وجهة مستقبلية للاقتصاد السعودي، ولكن الأزمة المالية أثرت كثيراً في تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها، كما أن إعمار المدينة الاقتصادية أنفقت الكثير من الأموال على تطوير البنية التحتية قبل الأزمة في كل الاتجاهات في المدينة، في وقت ارتفعت فيه كلفة المقاولات، وهو ما أرهقها مالياً. وتوقع المصدر أن ينشط العمل كثيراً في المرحلة المقبلة بعد حصول الشركة على الدعم اللازم من الدولة.