يأتي كتاب "تقرير حالة حوار الثقافات في العالم.. دراسة مسحية لصحف ودوريات إنجليزية وفرنسية وألمانية وعربية" الصادر حديثاً ضمن سلسلة (معارف) الشهرية الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي، لمؤلفيه الدكتور محمود خليل والدكتور عماد بشير، في وقت رافقت الصراعات بين الأفراد والجماعات الطائفية والمذهبية والإثنية العولمة بسبب سيادة خطاب ثقافي عنصري يموّه جوهر الصراعات القائم على المصالح عموماً، باختزاله إلى صدام بين حضارات. وما الدعوات المتعددة، التي انطلقت في العالم بأسره، بشرقه وغربه، إلى "الحوار الحضاري"، سوى دعوات مناهضة لسيادة تلك الأيديولوجية التي تعتبر عودة الهويات من جديد إلى المسرح العالمي وتصادمها أو تصارعها أمراً واقعاً. وبالتالي فإن "تقرير حالة حوار الثقافات في العالم" ما هو إلا دعوة موازية للدعوة إلى "حوار الثقافات"، وإن كانت دعوة غير مباشرة؛ إذ إن الكتاب الذي هدف إلى رسم صورة العرب في عيون الغرب من خلال الصحافة الغربية، ورسم صورة الغرب في عيون العرب من خلال الصحافة العربية، كشف موقفه الموضوعي المنافي للتصورات الأحادية، المسؤولة عن تشكيل مواقف عدائيّة تجاه الآخر، من خلال اختزاله إلى جوهر ثابت لا يتغيّر ولا يتفاعل مع ظروفه البيئيّة والتاريخية والموضوعية. لقد استند "تقرير حالة حوار الثقافات في العالم" في قسمه الأول الذي حمل عنوان: "صورة الغرب في الصحافة العربية" إلى عينات صحفية أساسية منها "الأهرام المصرية، الحياة الصادرة في لندن، الرياض السعودية، النهار اللبنانية، البيان الإماراتية، الأخبار الجزائرية، فضلاً عن مجلات ثقافية مثل مجلة العربي الكويتية، مجلة المعرفة السورية، مجلة وجهات نظر المصرية. في حين استند القسم الثاني، ومن خلال رصده صورة العرب في عيون الغرب إلى صحيفتين يوميتين إحداهما بالإنجليزية (New York Times) والأخرى بالفرنسية (Le Monde)، فضلاً عن صحيفة أسبوعية بالألمانية (Die Zeit)، وأربع مجلات أسبوعية إحداها بالألمانية (Der Spiegel) والثانية بالإنجليزية (Time) واثنتين بالفرنسية هما: (Le Figaro) و(Le Point)، ثم مجلتين شهريتين إحداهما بالإنجليزية (Prospect) والأخرى بالألمانية. ومن الملاحظات التي توصل إليها الكتاب أن الخطاب الصحفي العربي اقترب من "قضية الصراع ما بين الغرب والعالم الإسلامي"، وحاول أن يفند أبعادها. ومن ذلك مثلاً، ما توصل إليه الكتاب في معالجة مضمون عيّنة الصحف العربية، بحيث أكد الخطاب الصحفي لصحيفة "الأهرام" على أطروحة "العرب والمسلمون ضحية التمييز من جانب الغرب"، وعلى أن الشعور العنصري زاد لدى الغربيين بصورة محسوسة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 "، فيما أظهرت البيانات أن "فكرة الصراع بين الغرب والإسلام كانت أكثر سيطرة على السياقات الفكرية التي تتم معالجة صورة الغرب في إطارها". وفي المقابل تفوقت نسبة ترداد سمة التفوق العلمي في الخطاب الصحفي للأهرام (10,3%) مقابل (22%) للهيمنة كسمة سلبية كانت الأكثر حضوراً في هذا الخطاب. فيما كانت فكرة الحوار مع الغرب هي المسيطرة على الخطاب الصحفي في صحيفة "الحياة"...إلخ. وحول سؤال مدى إسهام الإعلام الغربي في الدفع إلى الحوار بين الحضارات والثقافات، اعتمد التقرير على القضايا المرتبطة بالمسلمين والمسيحيين العرب من دون المسلمين غير العرب في الحدود الزمانية للدراسة التي انحصرت في عام 2009. وانسجاماً مع الأهداف المبتغاة من الدراسة، خضعت المواد الإعلامية الداخلية فيها إلى التغطية التي تتصف بها المادة الإعلامية، وذلك لجهة ميلها إلى الدعوة إلى تقارب الحضارات والثقافات بشكل عام أو تباعدها، وذلك بالاستناد إلى مجموعة من المحاور لإتمام هذا التصنيف، هي: الاندماج والتسامح، الإرهاب، التطرف والتعصب، التعدّد والتبادل الثقافي، حوار الحضارات والثقافات، صراع الحضارات والثقافات، بحيث بلغت نسب تكرار عموم المادة الإعلامية بحسب كل محور، وعلى التوالي: 8,3%، 3,85%، 18,6%، 35,3%، 19,9%، 31,4%. لقد تجسد كتاب "تقرير حالة حوار الثقافات في العالم" إذن كتقرير علمي مناهض لتلك الأيديولوجيات التي تستخدم مفهوم التعدد (الثقافي أو غيره) كوقود للصراع بين الأمم، على أمل أن تليه دراسات علمية أخرى تفعل عمل مرصد حوار الثقافات في مؤسسة الفكر العربي.