ليست مدارس فنية - تلك التي أبدعت فيها الفنانات التشكيليات الحساويات في سوق هجر التراثي- فحسب؛ بل تخطين "التأثيرية والكلاسيكية والتعبيرية والسريالية إلى أبعد من مداها؛ حينما اخترن نثر إبداعاتهن أمام مئات الزوار، وفرشاتهن تتمايل يميناً وشمالاً. وفي مشهد يدل على رقي وانفتاح المجتمع، سر زوار السوق بمشاهدة الفنانات وهن يرسمن في أروقة مقر المهرجان، مما أضاف نوعا من تقبل وجودهن لدى الزائرين، وأبرز احتضان الجمهور وتشجيعه لهن، في أجواء لم تخل من الاحترام المتبادل والحفاظ على التقاليد الإسلامية المعروفة. لوحة أخرى ظهرت تمثلت في الثقة والعفاف الذي حملنه، ليخرجن بالفن من سقف الكفاية إلى حيث الابتكار وعدم الرضوخ إلى هيمنة النمطية الكلاسيكية، فألوان لوحاتهن حركت الكثير من الأسئلة في نفوس الزوار والزائرات خصيصًا، "من أين لهؤلاء القدرة على التحكم في عيوننا، فتجعلها تستقر على لوحاتهن دون ملل؟ الخيلُ هي الخيلُ التي نراها، والألوانُ هي ذاتها التي تتسلل من قوس قزح؛ ولكنها في فرشات "الحساويات" تتحول الخيول والألوان إلى أشياء أخرى، ويكون الغزال الوديع في لوحاتهن أكثر وداعة ورشاقة، واللحظات التجريدية تقفز ك"سمكة" من زرقة البحر - على الأقل هذا ما رأيناه في لوحات نورا الجعفري ونوال الشويش وبتول بوخمسين وغيرهن. وقالت الفنانة نورا الجعفري ل"الوطن" إن أسعار اللوحات التي يبعنها تقدر بآلاف الريالات، مشيرة إلى أنها باعت لوحة خلال اليومين الماضيين بمبلغ 7 آلاف ريال. وأضافت "الجانب المادي مهم للفنان التشكيلي، إلا أن الرسالة التشكيلية أهم بكثير". وأكدت الرسامات أنه تلقين دورات تدريبية في الرسم بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء وجمعية فتاة الأحساء الخيرية. وببساطة يمكن القول إن الألوان والأضواء تتعانق في ليالي هجر العريقة مع بناتها التي استودعت فيهن سر الأصالة. المشرف على الجناح التشكيلي الفنان راضي الطويل أكد ل"الوطن" أمس أن فنانات الأحساء تمكن من جميع المدارس الفنية المعروفة، وأن العامل الأول الذي يتكئن عليه هو السمة الجمالية والقيمة الابتكارية التي أصبحت متلازمة لهن، وهن أشد فرحًا من الأرض بالمطر، عندما يصر بعض الزائرين عدم مغادرة اللوحة إلا بعد شرائها؛ لأنها لغة بصرية نافذة إلى الروح والقلب معًا دون أن تحتاج إلى فك أبجدياتها، ويستوي في عشقها الأكاديمي وغيره. وبدأ مهرجان سوق هجر التراثي الخميس الماضي في نسخته الثانية ويستمر حتى الأربعاء المقبل.