أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل . وقال فضيلته // الأمم والمجتمعات المعاصرة تعيش أوج حضارتها حتى أكلت منها وشبعت فأصابها القي بعد التخمة , ومن المعلوم بداهة أن التخمة لا تقل شرا عن الجوع ونحن في هذا الزمن لدينا مخزون هائل في مجال العلم والفقه والإعلام والسياسة والاقتصاد والفكر , وحياة الناس بعامة مليئة بالخطوب ونوازل المجتمعات والأمم بين مد وجزر لا يسلم منهما مجتمع ولا يكاد إلا من رحم الله. وأضاف أن من أعظم النوازل أثرا وأخطرها تهديدا لاستقرار المجتمعات هي تلكم النوازل الفكرية والمدلهمات الثقافية والحراك السياسي والتي اعترت المجتمعات المسلمة على حين فترة من الوفاق وقوة المرجعية ومكانة الانتماء للدين والمجتمع المتدين مما سبب تعارك الثقافات والسياسات وبروز المطارحات تلو المطارحات دون زمام ولا خطام في فوضى خصومة ثائرة ليس فيها من أطراف الخلاف إلا المدعي والمدعى عليه وحضور الخصومة كل يدلي بدعواة ويرى أنها الحق في ظل تشويش وتهميش، متسائلا فضيلته قائلا : وما الظن بخصومة تفتقد قاضيها . وأردف قائلا : نعم إذ في الليلة الظلماء يفتقد البدر وما هو هذا البدر الذي سيمحو ظلمة التحارش والتهارش واللمز والهمز إن هذا البدر هو الحكمة , الحكمة الغائبة في ظل الخلافات, الحكمة التي تقود الركب إلى بر الأمان والنجاة من الهلكة، الحكمة التي يفتقر إليها كل مجتمع ينشد الفلاح لترتب له قائمة الأولويات ودرجات المصالح ودركات المفاسد , الحكمة التي لا توجد إلا في مستودع المرء الصفي النقي الصادق العامل والعالم الواعي والسياسي المحنك العارف بواقعه وحال مجتمعه المخلص لربه المتبع لنبيه صلى الله عليه وسلم الحريص على استقرار مجتمعه ووطنه . وبين أن الحكمة كلها خير لافتا النظر إلى أن الناس ثلاثة حكيم ونزق وجاهل , فالحكيم الدين شريعته والرأي الحسن سجيته وأما النزق فإن تكلم عجل وإن حدث أخطأ وأما الجاهل فإن حدثته شانك وإن وثقت به لن يرعاك , وقال إن للحكمة في الكتاب والسنة معاني كثيرة وقد ورد لفظها في القرآن الكريم عشرين مرة وقد سمى الله نفسه الحكيم ومن صفاته جل وعلى الحكمة , وأن الحكمة مكملة العلم والفقه حيث أثنى الله على نبيه سليمان عليه السلام حين آتاه هذه المنّة كما وهب الله الحكمة للقمان . ومضى يقول إن الحكمة خير كثير تجمع للمرء مكارم الأخلاق والتصرفات فهي مقبض رحاها واسها . وأفاد أنه في المدلهمات يعرف الحكماء الذين لا تحكمهم المصالح الشخصية والأهواء فيها ولا تقودهم الشبهة إليها ضاربا مثلا يحتذى به في الحكمة وهو معاوية رضي الله عنه من خلال مبدأ الشعرة التي عرف بها عند السابق واللاحق واصفا الحكمة بأنها معدن نفيس لا ينال بليت ولا لعل وهي ضالة المؤمن أنّا وجدها أخذ بها ولن يجدها من لم يكن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما من يقودان فؤاده . وزاد فضيلته يقول إن كثيرا من المهتمين تناوشوا الحكمة على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم حتى التقى في هذه المناوشة الفقيه والسياسي والاقتصادي والصحفي والإعلامي والمرجف والمخذل ونحوهم فظلمها كثير منهم حتى أصبحت الحكمة بين الغالي فيها والجافي عنها وقل من توسط في ذلك موضحا أن الحكمة بلغت من التشويه مبلغا جعلت الرامق ببصيرته من بعيد لا يخرجها من خلال ما يطرح عن دائرة الغلو تارة والتفلت تارات أخرى والمصادرة لها ونقض العرى بها تارة أخرى ليدعوا الحليم حيران حتى حجب كثرة صراخهم أصوات الحكماء فأضحت غير مسموعة وسط أهازيج الفرقاء ثم باتت تلك الأصوات حبيسة حناجر الحكماء فحسب . وقال في ختام خطبته ما ظن الجميع بمجتمع ترتفع فيه أصوات الحكماء أيرونه سيعاني من تهارش بني مجتمعه أم أنهم يرونه أنه سيظل طريقه أو يكثر فيه الطلاق والغش والظلم والنزاع كلا وألف لا, داعيا إلى التوقي والحذر من الوقوع في الحكمة الزائفة المزوقة التي لا تستند إلى علم ولا إلى هدى ولا إلى منطق وعدم الانسياق والإغراء بالعقول لتجعلنا حكاما على كتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا محكومين بهما وأن لا تكون عقولنا قائدة وحيدة في فرز ما يصح وما لا يصح . وفي المدينةالمنورة قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي إن التذكر لما ينفع العبد في دنياه وأُخراه والعمل بما يوجبه التذكر النافع هو فلاح الإنسان وسعادته وفوزه في الدارين ، قال الله تعالى " سيذكر من يخشى " ، ونسيان ما ينفع والإعراض عن التذكر هو الخسران والخيبة والشقاوة ، قال تعالى " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " ، والتذكر من صفات أهل العقول الراجحة والفطر المستقيمة ، قال تعالى " وما يذكر إلا أولوا الألباب " ، وأولوا الألباب هم المهتدون المتقون الذين يفعلون الحسن ويهجرون القبائح. وأوضح الشيخ الحذيفي في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد النبوي أن التذكر من صفات المنيبين التائبين الذين أحيا الله قلوبهم بالإيمان وأصلح أعمالهم بالإخلاص واتباع السنة ، قال الله تعالى " وما يتذكر إلا من ينيب "، والمتذكرون قد سلكوا سبيل النجاة والسعادة في الدنيا والاتصاف بأحسن الصفات وتطهروا من أعمال وأخلاق السيئات فوعدهم الله بأرفع الدرجات في الجنات ، مشيرا فضيلته إلى أن هذه الصفات الكريمة لمن تذكر وتقدم بالخيرات ولم يتأخر . ومضى إمام وخطيب المسجد النبوي قائلا "أيها المسلم ألا تحب أن تعلم التذكر وتعرف حقائقه وتفصيله ، نعم التذكر هو استحضار كل علم نافع نزل به الوحي أو استفادة العقل الصحيح بالتجارب الحقة أو الاعتبار المصيب والعمل بموجب ذلك كله وترك ما يضاده فمن اكتسب العلم النافع وقام بالعمل الصالح فقد فاز بأعلى الدرجات في الأخرى وتمتع بأحسن حال في حياته الدنيا ، والتذكر مأمور به العباد لتحقيق التوحيد لرب العالمين ومعرفة دلائله ، والتوحيد أساس الدين واصل الأعمال الصالحة فإن صلح وصح صلحت الحياة وان فسدت العقيدة فسدت الحياة. وأضاف الشيخ الحذيفي : أن تذكر تدبير الله للعالم العلوي والسفلي ونفوذ مشيئة الله في الكون وتصريف المخلوقات ينفع المتذكر في صلاح قلبه واستقامة أحواله وزكاة أعماله فالرب تبارك وتعالى يذكر عباده بانفراده واختصاصه بالتدبير والخلق وإذا ما تذكر الإنسان أن تدبير الكون كله وتصريفه بيد الله وحده لا شريك له وأن المقادير نافذة بمشيئة الرب وحده كما قال تبارك وتعالى "إن كل شيء خلقناه بقدر" ، وتذكر أن الدنيا والآخرة لله وحده وإذا ما تذكر الإنسان هذا كله تعلق قلبه بالله وحده واعتمد على ربه في كل أموره وطلب مرضاته وابتعد عن معاصيه فالسعادة لا تنال بالمغالبة والقوة إنما تنال بطاعة الله تبارك وتعالى ، لافتاً الانتباه إلى أن الرب سبحانه وتعالى كثيرا ما يقرن التذكر بالأمر والنهي فتذكر ما في أوامر الله تعالى من الحكم والمنافع والخيرات العامة وصلاح القلوب وتذكر ما في المنهيات من المضار والمفاسد والخبائث والعار والدمار ومرض القلوب وموتها تذكر ذلك كله كاف لفعل الطاعات وبغض المحرمات والوقاية من المهلكات. وأفاد إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله سبحانه وتعالى يرشد الإنسان إلى تذكر بدايته ونهايته وما بين ذلك من تقلب أحواله وتدبير الله له كما يريد ربه وأنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا ما أعطاه الله ليخضع الإنسان لعبودية الله وشرعه مختارا , إذ لا سعادة إلا بذل العبودية والمحبة لله عز وجل ، قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله "، فإذا كان هذا لنبيه صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه ، وقال صلى الله عليه وسلم "" واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك " . وقال الشيخ الحذيفي إن الله سبحانه وتعالى يرشد إلى تذكر تقلب الليل والنهار وتذكر الحكم والمنافع والغايات التي خلق لها كل مخلوق ، فالكون المشاهد آيات منظورة فيها التذكر والعبرة لكل عبد منيب وقد أرشد الله تعالى إلى التذكر والاعتبار لما وقع للأمم الخالية من العقوبات المدمرة المهلكة لتحذر الأمة أعمالهم ، قال الله تعالى "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" ، قال المفسرون قد أهلك الله قرونا كثيرة هم أشد قوة من كفار قريش ففتشوا وبحثوا عن مكان يمنعهم من الموت فلم يجدوا محيصا وهو الملاذ فعاقبهم الله بذنوبهم وأهلكهم ففيما جرى بالأمم الخالية تذكر وعظة لمن كان له لب وعقل صحيح راجح أو ألقى سمعه لكلام الله وهو حاضر القلب . وشدد إمام وخطيب المسجد النبوي على أن التذكير بنعم الله يورث الحياء من المنعم ويحضه على مقابلة النعم بالطاعة والشكر والتذكير بعقوبات الله لمن حارب دينه يزجر عن الوقوع في الذنوب والمعاصي ويمنع من اتباع سبيل الهالكين ، وقد أمر الله عز وجل تذكر نعمه على الناس ، مؤكدا أن أعظم النعم نعمة القرآن الكريم الذي جمع الخير كله وأمر به وبين الشر كله ونهى عنه فهو أعظم واعظ ومذكر ، فعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" ستكون فتن "" قلت ما المخرج منها يا رسول الله قال "" كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر مع بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله لا يخلق عن كثرة الرد ولا تزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء "" . وشدد الشيخ الحذيفي على أن من أعظم النعم نعمة الأمن وتيسر الأرزاق وقد أمر الله عز وجل بتذكر نعمة الأمن ، قال تعالى" واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون" ، وامتن الله تبارك وتعالى بالأمن في الحرم فقال تعالى فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" ، فالأمن من كيان الإسلام ولا تظهر شعائر الدين إلا في ظل الأمن وبالأمن تأمن الطرق وتزدهر الحياة ويطيب العيش وتحقن الدماء وتحفظ الأموال وتتسع الأرزاق وتزدهر التجارات وتتبادل المنافع ويندفع شر المفسدين والمعتدين ويأمن الناس على الحرمات والحقوق ويؤخذ على يد الظالمين والمخربين ، وضد ذلك كله تنزل بالمجتمع الكوارث مع ضعف الأمن أو انعدامه لذا نزل الخوف ، ولعظم نعمة الأمن قال النبي صلى الله عليه وسلم "" من أصبح معافىً في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها "" . وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله سبحانه وتعالى قد من على هذه البلاد المباركة بنعمة الأمن والشريعة الإسلامية السمحاء المهيمنة على هذه المملكة حرسها الله فأصبحت مضرب المثل في الأمن والاستقرار ولا غرو في ذلك فولاة أمرها حفظهم الله جعلوا دستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ترجع إليهما المحاكم الشرعية في أمور الناس التي يختلفون ويتنازعون فيها ، والله عز وجل قال "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ". ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي شباب الإسلام إلى ترك الفتنه وأهلها ومقاطعتهم , فالإصلاح بجميع أنواعه هو نهج ديننا الحنيف ولكن الإصلاح في كل شيء منوط بولي الأمر ونوابه فيما يخص الأمور العامة ويستشيرون في هذا علماء الشريعة فهم أعرف بما يدل عليه الكتاب والسنة وبما فيه الخير للعامة والخاصة والتناصح بين الراعي والرعية رغب فيه الإسلام ، وقال النبي صلى لله عليه وسلم "" الدين النصيحة "" ثلاثا وليس من النصيحة التحريض على الفتن .