من الثابت أنه لا يمكن تفسير تصاعد درجات الحرارة خلال العقود القليلة الماضية من خلال العوامل الطبيعية فقط، وقد توصل الباحثون المختصون في شؤون المُناخ والبيئة إلى نتيجة مؤكدة: هناك عوامل بشرية وأخرى طبيعية تساهم في التغيُّر المُناخي الذي يشهده كوكب الأرض. النشاطات البشرية هي المسؤولة عن احتراق الوقود في وسائل المواصلات وفي القطاعات الأخرى، والتحول إلى الحياة المدنية على حساب الريف، والقضاء على الغابات الطبيعية، وجميع هذه العوامل تساهم في زيادة كمية غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. هذه المستويات القياسية للغازات الدفيئة تتسبب في إصابة توازن مُناخ كوكب الأرض بالخلل. وقد نشرت مؤسسة "كارنيجي" للأبحاث في ديسمبر المنصرم دراسة أعدتها الباحثة ديبورا جوردون جاء فيها أن العوامل التي يتأثر بها المُناخ تختلف من قطاع لآخر. لكن وسائل المواصلات البرية لها أكثر الآثار سلبية على البيئة على المدى القصير. وهذا يعود بشكل أساسي إلى عاملين يتميَّز بهما قطاع النقل البري بشكل عن غيره من القطاعات: 1- تستخدم وسائل النقل البري منتجات النفط كوقود، وهذا الوقود النفطي يسبب احتراقاً يُصدر نسباً مرتفعة من غازات الاحتباس الحراري الرئيسية (ثاني أُكسيد الكربون، والأوزون، والكربون الأسود). 2- ينتج عن احتراق الوقود النفطي في وسائل النقل البرية الحد الأدنى من انبعاثات الكبريتات، والهباء الجوي (الإيروسول)، والكربون العضوي، وهي عناصر تؤدي إلى خفض درجات الحرارة، وهذا لا يساهم إيجاباً في إيجاد التوازن الضروري لمواجهة الاحتباس الحراري. وقد توصل العلماء إلى نتيجة مفادها أن تقليص انبعاث الغازات التي تلوث الهواء والجو من وسائل النقل البري سيؤدي بالتأكيد إلى تحسن المُناخ والصحة العامة للإنسان على المدى القريب. إن دور وسائل المواصلات في التغيُّر المُناخي إشكالي على وجه الخصوص بسبب اعتماده على النفط بشكل رئيسي ووحيد تقريباً، حيث إنه لا توجد بدائل حقيقية للسيارات والشاحنات التي تستخدم الوقود النفطي في أي دولة من دول العالم حتى الآن. ومع هذا فإن أصحاب القرار وصناع السياسة في جميع أنحاء العالم لم يتعاملوا بشكل جدي مع التحديات التي تفرزها وسائل المواصلات على البيئة والمُناخ. وقد بيَّنت الدراسات في الولاياتالمتحدة ودول أخرى أن قطاع المواصلات في العالم مسؤول عن أسرع نمو في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والذي وصل إلى زيادة قدرت ب 120% بين عام 1970 وعام 2004. ولجعل الأمور أكثر تعقيداً، يتوقع الباحثون المختصون في شؤون المُناخ والبيئة أنه إذا لم يتم التدخل الجدي عن طريق وضع سياسات عالمية محددة، فإن قطاع المواصلات الذي يزداد نمواً يوماً بعد يوم لن يكون لديه الحافز المطلوب لتغيير الطريقة التي يعمل بها، لأن خيارات المستهلكين هي التي تحدد الممارسات المتَّبعة. إن قطاع المواصلات البرية يُساهم بشكل رئيسي في التغيُّرات المُناخية التي يشهدها كوكب الأرض؛ لذلك فإن هذا القطاع يجب أن يكون نقطة تركيز السياسات الهادفة إلى تقليص نسبة الاحتباس الحراري. وعلى الحكومات أن تقود هذه الجهود لأن القطاع الخاص لا يستطيع وحده أن يسرع عملية التغيير التي تقلص الاعتماد على السيارات والنفط في المواصلات البرية. إن على صُنَّاع السياسة وأصحاب القرار في الولاياتالمتحدة بشكل خاص أن يتذكروا أربع نتائج وتوصيات أساسية عندما يضعون ويطورون إستراتيجيات جديدة لضمان حفاظ الولاياتالمتحدة على موقع الصدارة في الاقتصاد العالمي: 1- يجب أن يتم التعامل مع وسائل النقل البري على أنها هدف فوري وذو أولوية عالية على المدى القريب لتقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتخفيف حدة التغيُّرات المُناخية ليس في الولاياتالمتحدة فحسب، بل في كافة أرجاء العالم أيضاً. 2- يجب الانتباه إلى أن قطاع المواصلات مسؤول عن النسب المرتفعة لانبعاثات غاز ثاني أُكسيد الكربون (CO2) الذي سوف يسبب ارتفاع حرارة المُناخ على مدى الأجيال القادمة. 3- على الولاياتالمتحدة والدول الأخرى أن تتحول بسرعة إلى استخدام سيارات وشاحنات لا تسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وذلك عن طريق استخدام طاقة الكهرباء في هذه العربات كحل بديل. 4- إن على ثقافة المواصلات في الولاياتالمتحدة والعالم أن تتكيف من جديد بحيث تقلِّص اعتمادها على الوقود الأحفوري وتلجأ لاستخدام الابتكارات العلمية والاستثمار الجيِّد بحيث تتوسع خيارات وسائل النقل التي تصدر انبعاثاً منخفضاً لغاز الكربون وتغيير سلوك قطاع المواصلات بشكل أساسي.