عزا أستاذ اللغة العربية في جامعة القصيم الدكتور محمد نجيب العمامي "التونسي" أسباب تأخر ظهور الإنتاج الروائي في تونس مقارنة ببلدان عربية أخرى إلى تأخر النشر بسبب قلة دورهِ وإلى اتجاه التونسيين للقصة القصيرة، ودفعهم إلى ذلك سهولة نشرها بفضل تشجيع الصحف لهذا الإنتاج الذي كان موظفًا في الغالب لغايات تعليمية تهذيبية، ولم يكن هذا التشجيع خالصاً لوجه الأدب وإنما كان استجابة لإقبال القراء على القصص. وقال العمامي، في محاضرته، مساء أول من أمس بنادي الأحساء الأدبي بعنوان "الرواية التونسية من النشأة إلى أواسط الثمانينات": إن النقاد عدوا رواية" الدقلة في عراجينها" من أهم ما يمثل الرواية الواقعية التونسية، والتي كتبها البشير خريف سنة 1969، وأعيد نشرها عام 2000، وتوافرت فيها كل منطلقات الرواية الواقعية من اعتقاد في إمكان المطابقة بين العالم والكلمات، ومن تصور للعالم بوصفه متماسكاً موجودًا بصفة مستقلة عن الذاتين (الكتابة والرواية) مما ييسر تمثيله بصفة موضوعية. واعتبر العمامي أن كاتب الرواية أدارها على محوري قصّ كبيرين دارت أحداثهما في مكانين مختلفين يقعان بالجنوب الغربي التونسي، الأول هو المكان الرئيس الذي انطلقت منه الأحداث وفيه انتهت، وهو معروف بواحات النخيل، أما الثاني فعرف بكونه مدينة يعيش فيها مغاربة وجزائريون وتونسيون وليبيون جمعهم العمل بمناجم الفسفاط المحيطة التي يشرف عليها الفرنسيون إشراف غيرهم من بني جنسهم على كل المجالات الحيوية بالمدينة المستعمرة، ويستمد تصوير الحياة في هذا المكان مبرره من كون الراوي أراد تخليد النضالات التي خاضها عمال المناجم ضد الاستعمار الفرنسي، مشيراً إلى توفر أساليب الكتابة الواقعية من تجذير للحكاية في أمكنة وأزمنة شبيهة بأمكنة البشر وأزمنتهم ومن مشابهة الشخصيات لشخوص الواقع خاصيات مادية ونفسية وأدواراً اجتماعية ومن نزوع الخطاب إلى أن يكون واضحًا شفافاً. وأكد المحاضر أن بداية الرواية التونسية ليست محل إجماع بين الدارسين، فمن الباحثين من ذهب إلى أن أول نص روائي تونسي هو نص نشرته مجلة النهضة سنة 1905 بعنوان "السهرة الأخيرة في غرناطة" ل"حسن حسني عبدالوهاب"، في حين ذهب بعض آخر إلى غيرها وهي"الهيفاء وسراج الليل" ل"محمد صالح سويسي القيرواني" المنشورة سنة 1906 في صحيفة خير الدين، إلا أن فحص هذين النصين في ضوء المعايير الفنية للرواية يبين أنه لا يمكن نسبتهما إلى الجنس الروائي، معتبرًا إياه أنه موقف كاد يجمع عليه كل المهتمين بالتأريخ للرواية العربية في تونس. وأشار إلى أن أول رواية تونسية صدرت في كتاب هي "ومن الضحايا" ل"محمد العروسي المطوي" نشرتها دار المغرب عام 1956م؛ إلا أن هذه السنة لا تؤرخ بحسب عدد من الدارسين للبداية الفعلية للتأليف التونسي في ميدان الرواية، فقد كان محمود المسعدي نشر ما بين سنتي (1939- 1956) أغلب أجزاء روايته "حدَّث أبو هريرة قال"وذلك في صحيفتي "الزمان" و"الندوة" ومجلة "الفكر"، إلا أن هذه الرواية لم تكتمل ولم تنشر في كتاب إلا سنة 1973. وأضاف العمامي أن الرواية الواقعية بمختلف تياراتها هيمنت على الرواية في تونس من النشأة إلى أوائل الثمانينات، إلا أن عرشها بدأ يهتز منذ النصف الأول من الثمانينات، فبدأ المشهد الروائي في التغير، وذلك بصدور أربع روايات اختلفت طرائق كتاباتها قياساً إلى ما كان موجوداً، وهي "ن" ل"هشام القروي"، و"مدونة الاعترافات والأسرار" ل"صلاح الدين بوجاه" وروايتا فرح الحوار"الموت والبحر والجرذ" و"النفير والقيامة".