لم يعد الأمر يتعلق بخيال من جانب صحافة متحمسة، فإسبانيا الآن تسافر إلى جنوب إفريقيا وهي مرشح حقيقي للفوز بكأس العالم لكرة القدم، وحتى مديرها الفني الحذر فسينتي دل بوسكي لم يكن بمقدوره إنكار ما تحول إلى رأي عام داخل البلاد أو خارج حدودها "لكن بتواضع" يقولها المدرب المخضرم في محاولة لتهدئة حماسة جماهيره. وتتمتع إسبانيا بمقومات كبيرة فهي بطل أوروبا، والمنتخب الذي تأهل إلى المونديال بالفوز في جميع مباريات التصفيات، وأداؤها يثير إعجاب الجميع، كما أنها تقدم بكل فخر أفضل جيل من اللاعبين عبر تاريخها، وفقط البرازيل تبدو الوحيدة التي تتجرأ على منافستها على لقب المرشح الأقوى، وليس أدل على ذلك من تبادل المنتخبين خلال الأشهر الأخيرة صدارة تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). وخلال الأعوام ال40 الأخيرة، لم تغب إسبانيا سوى عن مونديال 1974 في ألمانيا، وخلال نفس المدة لم يتخلف المنتخب سوى عن نسخة وحيدة من بطولة الأمم الأوروبية، وهي التي نظمتها السويد عام 1992، لكن طوال تلك الفترة لم يكن المنتخب مرشحاً حقيقياً لأي لقب، ولا حتى في بطولة الأمم الأوروبية الماضية التي أقيمت في سويسرا والنمسا عام 2008، فحتى ذلك الحين كانت أحلام العظمة ترتبط بالصحافة أكثر منها بالتحليل الواقعي. ودائماً ما تم الحديث عن منتخب قوي، لكنه يعاني مشكلة ذهنية تجعله يغيب عن الوقوف بين الكبار في المواعيد الكبرى، وفي عام 1984 احتلت إسبانيا المركز الثاني في بطولة الأمم الأوروبية بفرنسا، لكنها عادت بعد عامين إلى السقوط بمونديال المكسيك في دور الثمانية الذي تحول إلى عقبة تاريخية لا تقهر. نقطة التحول جاءت عام 2008، في البطولة التي حصل عليها المنتخب عن استحقاق مطلق، تحت قيادة فنية للويس أراجونيس مهندس المنتخب الإسباني الجديد، وخلفه لم يحتج سوى إلى رتوش بسيطة لمتابعة المهمة. "البقعة" الوحيدة لدل بوسكي في قيادة المنتخب الإسباني كانت في بطولة كأس القارات عندما خسرت إسبانيا في قبل النهائي أمام الولاياتالمتحدة، وهو ما وضع حداً ل15 مباراة متتالية من الانتصارات و35 مباراة دون هزيمة، لكن أحداً لم يول أهمية لذلك التعثر، فالبطولة لا تتمتع ببريق مثيلاتها الكبريات، والهزيمة قد تكون دافعاً جديداً، فالعلاقة بين دل بوسكي والصحافة رائعة. وجاءت مرحلة التصفيات للتأكيد على حظوظ إسبانيا التي فازت في مبارياتها ال10 بتفوق كاسح، وكان ذلك أشبه بإعلان نوايا، ورسالة إلى جميع المنافسين. ولا تتحدث فقط الصحافة الإسبانية وقطاع كبير من نظيرتها الدولية عن حظوظ إسبانيا الكبيرة، حتى أبطال القصة أنفسهم اضطروا إلى الاعتراف خلال الأشهر الأخيرة بأنهم يطمحون إلى الكأس الغالية، ويؤكد دل بوسكي "إسبانيا نفضت عقدها ببطولة الأمم الأوروبية، والمنتخب الآن أصبح بين العظماء كالأرجنتين والبرازيل". وحذر المدير الفني "لكننا لسنا وحدنا، هناك منتخبات أخرى تتمتع بهذه المكانة مثل ألمانيا وإيطاليا والبرتغال وإنجلترا، هناك كثير من المنتخبات القوية". أما ألان شيرر الهداف السابق للمنتخب الإنجليزي فيقول "بعيداً عن تمنياتي الكبيرة للمنتخب الإنجليزي، أعتقد أن نظيره الإسباني سيكون هو الفائز، لقد أبهرتني الطريقة التي فازوا بها ببطولة الأمم الأوروبية 2008 وأنا أراهن عليهم". فيما أكد مدرب فرنسا ريمون دومينيك بعد هزيمة منتخبه ودياً في باريس أمام نظيره الإسباني صفر/2 "إننا نعرف أن إسبانيا مرشحة للقب كالبرازيل". وسار على نهجه مدرب إيطاليا مارتشيللو ليبي "البرازيل وإسبانيا هما المرشحتان دون أي شك، بعد ذلك نأتي نحن بنفس حظوظ فرنسا وإنجلترا والأرجنتين وهولندا، فعندما تسافر هذه الفرق للمشاركة في كأس العالم، تفعل ذلك لإحراز اللقب". رغم كل هذه الشهادات، لا يزال دل بوسكي يحذر من الإفراط في الحماس أو التفاؤل، وله الحق، فإسبانيا تعرف كثيراً عن الإخفاقات.