منذ أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وتداعياتها في أواخر السنة الماضية، والتي أدت حلحلتها إلى اعتماد صيغة «النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة، تتكرر تسريبات غير مؤكدة عن وجود خطة لانسحاب ميليشيات حزب الله من سورية، ليتبين فيما بعد عدم صحتها، في ظل تكتم الميليشيا عن الموضوع، إلا أن تلميحات زعيم الميليشيا، حسن نصر الله، حول الاستقرار في العراق بعد هزيمة داعش، وعدم الحاجة لوجود عناصره هناك، أعادت جدل الانسحاب إلى الواجهة مرة أخرى، لتجنيب لبنان المزيد من الضغوط الغربية والعربية، خاصة في ظل المحاولات الروسية لتسوية الأزمة السورية. انسحاب تكتيكي في غضون ذلك، تداولت أوساط لبنانية مطلعة في الآونة الأخيرة، معلومات تفيد بوجود عناصر الحزب في لبنان بعد عودتهم من الصراع السوري على دفعتين، عاد فيها الأولى قرابة 1400 عنصر مما يعرف بقوات النخبة، فيما بلغ عدد العناصر في الدفعة الثانية قرابة 2600 عنصر، من إجمالي 7 آلاف عنصر تابعين للميليشيا. ورجحت المعلومات أن يكون هذا الانسحاب خشية اندلاع شرارة الحرب بين إسرائيل ولبنان، وهو ما تم بالفعل، عقب شن الطيران الإسرائيلي غارات جوية، أول من أمس، استهدفت 12 مقرا للنظام والميليشيات الإيرانية، جنوبي البلاد. إلا أن مصادر مقربة من الحزب نفت وجود أي نوايا للميليشيا للخروج من سورية، قبل وجود تسوية يوافق عليها الإيرانيون في المقام الأول، في وقت أرجع مراقبون عودة مقاتلي الحزب إلى لبنان، بمثابة مناورة وهمية من الحزب، لتبديل عناصره وإعادة تمركز انتشار قواته، خاصة في ظل سيطرته على الحدود اللبنانية السورية.
خنق مصادر التمويل في غضون ذلك، تواجه الميليشيا اللبنانية أزمة خانقة جراء تحركات الولاياتالمتحدة مع دول أميركا الجنوبية، لوقف تمويل الحزب للإرهاب في دول أميركا اللاتينية، عبر الشبكات المعقدة التي تربط رجال الحزب المتنفذين في تلك الدول. وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قد أكد على ضرورة ملاحقة الحزب في تلك المنطقة، كونه منظمة مرتبطة بتمويل الإرهاب عبر تجارة المخدرات وغسل الأموال. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أصدرت مؤخرا لائحة عقوبات مالية جديدة بحق 6 أفراد و7 مؤسسات في لبنانوالعراق تحت بند «مكافحة تمويل حزب الله» لتجفيف منابع تمويله، كما تم تأسيس وحدة استقصاء أميركية خاصة مهمتها الكشف عن شبكات الحزب المالية، وتفكيكها ومتابعة نشاطها الاقتصادي حول العالم. مخاوف العقوبات يأتي ذلك بالتزامن مع قرب حلول موعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية مطلع مايو المقبل، حيث لفتت تقارير إلى أن المصارف اللبنانية ستلتزم بوقف التعامل المالي مع الحزب وفق القانون الأميركي، مما يعني أن مرشحي الحزب في أزمة حقيقية، باعتبار أن قانون الانتخابات اللبناني يفرض على المرشحين فتح حسابات بنكية في مصارف لبنان. وحذر الخبير القانوني طارق شندب في تصريح إلى «الوطن» من استغلال الميليشيا ثغرات القوانين الانتخابية للالتفاف عليها، في وقت يمكن أن يمول الحزب عملياته الانتخابية من تجارة المخدرات في «البقاع». ولفت شندب إلى أن الإدارة الأميركية ستواجه بحزم كل محاولة لبنانية لمساعدة حزب الله ماليا بعد إعلان مقربين من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن الحكومة والدولة اللبنانية ستتحمل تبعات حماية حزب الله اقتصاديا، أو محاولة الالتفاف على العقوبات المفروضة عليه.