شهر يناير من عام 1981 كان موعدا مع تاريخ منطقة الخليج العربي حين عقد أول لقاء خليجي على مستوى القادة على هامش مؤتمر القمة الإسلامي في مدينة الطائف السعودية، وكان يهدف لإيجاد تفاهم أولي على شكل مشروع دول المجلس التي كانت تخطط لإيجاد منظمة قوية خليجية تستطيع مواجهة تحديات تلك الفترة التي كانت تحمل الكثير من التصعيد والتحديات ومنها التهديدات الإسرائيلية للبنان، والاحتلال السوفيتي لأفغانستان، وصعود قادة الثورة الإسلامية إلى السلطة في إيران ومن ثم خطابهم لتصدير الثورة الذي كان يستهدف دول الخليج العربي تحديدا، وقبل ذلك بأعوام قليلة كان التحدي الأمني للحكومة السعودية مع مواجهتها للتشدد الفكري من خلال تطهيرها للحرم المكي من جماعة جهيمان. اجتماع الطائف تبعته اجتماعات لوزراء خارجية دول المجلس ولهيئات الخبراء في كل من الرياض ومسقط في فبراير لوضع تصور للمنظمة وشكلها وآليات العمل فيها لينتهي هذا الجهد القانوني وقبله السياسي بالتوقيع على تأسيس مجلس التعاون في أول قمة من قممه التي عقدت في العاصمة الإماراتية أبو ظبي في 25 مايو من عام 1981، وأكد إعلان أبو ظبي على الروح الأخوية القائمة بين دول المجلس وشعوبها والسعي إلى تطوير التعاون وتنمية العلاقات وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط، وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع الميادين الاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والتشريعية، لتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين الشعوب في مختلف المجالات، والعمل على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين وصولاً إلى الوحدة. وشدد إعلان أبو ظبي على أن المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها، مؤكدا التزام دول المجلس بميثاق جامعة الدول العربية والقرارات الصادرة عن مؤتمرات القمة ودعم منظمة المؤتمر الإسلامي والتمسك بميثاق الأممالمتحدة، وركزت المبادئ الواجب اتباعها لتحقيق الأهداف الأساسية لمجلس التعاون على المساواة في السيادة، وتسوية المنازعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والانتماء الكامل للعروبة والتنظيمات العربية، والتمسك بسياسة عدم الانحياز ونبذ الأحلاف والقواعد، وجاء في النظام الأساسي التأكيد على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس انطلاقا مما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف. أبو ظبي وملفات التعاون الاستراتيجي أهم ملفات قمة أبو ظبي، تعزيز التعاون الاستراتيجي مع عدد من التكتلات والدول سيكون محورا هاما في القمة اليوم خاصة تطوير التعاون الاستراتيجي مع الصين وتركيا على المستويات الاقتصادية الاستراتيجية التي يهتم جزء منها بالمشاريع المشتركة خاصة التي لها علاقة بالطاقة، إضافة إلى مجموعة الآسيان، وهنا يتضح اهتمام دول المجلس في التعامل مع المنظومات الدولية من خلال منظومة مجلس التعاون الخليجي وليس بالصفة الفردية مما يزيد من قدرة الدول على التفاوض للحصول على أفضل شروط للشراكة، وتشير المذكرات التي سيتم بحثها في أبو ظبي إلى أن التفاهمات التي وقعت مع هذه المجموعات ستسهم في تعزيز التعاون في المجالات الثقافية والتنموية والتعليمية، في خطوة نجحت من خلالها منظومة مجلس التعاون الخليجي في الخروج من محاولاتها إنجاح شراكتها مع الاتحاد الأوروبي. الهم العربي وبطبيعة الحال فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي لن تتنازل عن مسؤولياتها نحو العالم العربي والإسلامي فقمة أبو ظبي ستتناول (بحسب جدول الأعمال) باهتمام بالغ التطورات الإقليمية خاصة على الواقع العربي والتي تحمل تحديات استثنائية على الملفات السودانية والفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية، خاصة أن الأحداث السياسية والتطورات التي حصلت منذ قمة الكويت كانت متعددة، خاصة قضية انفصال جنوب السودان التي تشغل بال القيادات العربية لما لها من تأثير على التفاصيل الجيوسياسية لدولة عربية هامة في أفريقيا، وبالتأكيد القضية الفلسطينية التي تشهد تحولات مأساوية مع إعلان واشنطن عجزها عن السيطرة على ملف الاستيطان فيما تعتبر دول الخليج ضاغطة باتجاه الوصول إلى سلام عادل وشامل طبقا لمبادرة السلام العربية التي تشكل المدخل المناسب لتحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة وإقامة الدولة الفلسطينية التي يجمع المجتمع الدولي على شرعية قيامها، وتسعى القمة لإيجاد موقف خليجي موحد لمواجهة العناد الإسرائيلي وعدم قدرة الجهود الدولية على إيجاد تقدم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، مع استمرار القوات الإسرائيلية بالاعتداء على الشعب الفلسطيني الأعزل واستمرار استهداف المواطنين الأبرياء ومحاولات التنصل من الالتزامات الدولية بإقامة الدولة الفلسطينية عن طريق تكريس الاستيطان والتهويد والحصار الجائر على غزة، كما تتناول القمة قضية الخلاف الفلسطيني الفلسطيني والتقدم الحاصل في مباحثات فتح وحماس. العراق ولبنان وتتناول القمة التطورات التي شهدتها عملية تشكيل الحكومة العراقية خاصة أن العراق يواجه تحديات أمنية وسياسية واقتصادية تتطلب وجود حكومة وحدة وطنية عراقية تمثل مختلف القوى السياسية والدينية العراقية قادرة على التعامل مع الملفات المعقدة لإنهاء معاناة الشعب العراقي وحماية مقدراته القومية من الهدر، ليعود العراق ليلعب دوره الطبيعي في محيطه العربي والدولي، فيما يتناول الملف اللبناني والتحديات التي تواجهه لإبعاد شبح الحرب عنه وحمايته من الوقوع في فخ النزاعات الداخلية أو التعرض لاعتداء خارجي خاصة من إسرائيل، مع بحث التطورات على الملف الإيراني وسبل حماية المنطقة من الوقوع في نزاعات كبرى جديدة على خلفية عدم تعاون طهران مع المجتمع الدولي في الكشف عن تفاصيل برنامجها النووي وسيحمل الاجتماع تأكيد دول المجلس على أهمية الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية مع رغبتها في التوصل إلى تسوية سلمية عبر الحوار الدبلوماسي دون اللجوء إلى القوة، ومطالبتها بإنهاء احتلال الجزر الإماراتية. الشريك اليمني ومن الواضح أن الملف اليمني أصبح شريكا واضحا في قمم دول التعاون الخليجي مع قرب قمة الرياض التي ستتناول بحث الخطة الخمسية الرابعة لدعم التنمية اليمنية وبحث سبل مساعدة الحكومة اليمنية على تجاوز العقبات وحمايتها من الانهيار أمام الضغوط من العناصر المتشددة والإرهاب، وحماية الشباب اليمني من الانجراف وراء العنف بسبب البطالة. ويتناول الاجتماع بحث مسيرة دول مجلس التعاون في تطوير استخداماتها السلمية للطاقة النووية وبعد أن انتهت دراسة الجدوى الأولية للمشروع والشروط المرجعية تم اختيار شركة لتقديم المشروع في إطار إعداد الدراسات التفصيلية بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبإشراف فريق عمل من الدول الأعضاء على أن يتم تنفيذ مشروع الدراسة خلال عامين. الوطن الخليجي من الواضح أن حلم أن يكون المواطن الخليجي كلمة يمكن استخدامها قد اقتربت من الحقيقة مع قرب الإعلان عن قيام برلمان خليجي واحد وقيام السوق الخليجية ووصول درع الجزيرة إلى القدرات العسكرية التي يمكن من خلالها التدخل السريع لحماية أمن الدول الأعضاء من الاعتداءات الخارجية، والعملة الخليجية الموحدة والتنقل بين الدول الأعضاء باستخدام الهوية الوطنية التي بدأت كلها في التشكل لتكون المواطنة الخليجية حلما اقترب من التحول إلى حقيقة.