يعود ممثلو حكومات 200دولة للاجتماع من جديد في منتجع كانكون المكسيكي لمواجهة أزمة الاحتباس الحراري التي فشلوا في الاتفاق حول سبل مواجهتها كخطر داهم يهدد الكرة الأرضية، وقد تجسد ذلك الفشل خلال قمة كوبنهاجن العام الماضي حيث عجت بالخلافات وتبادل الاتهامات بين الدول المشاركة لتنفض القمة دون الخروج بحل عملي للأزمة . ويشير العديد من الخبراء إلى أن الاحتباس الحراري لم يعد خطراً متوقعاً، بل أصبح حقيقة ملموسة بدأت تأثيراتها المدمرة بالفعل، مما يؤكد على حقيقة أنه لم يعد هناك وقت أمام دول العالم لإضاعته في الخلاف وتبادل الاتهامات، وضرورة خروج القمة المكسيكية بحلول فاعلة لمواجهة مخاطر الاحتباس الحراري. وذكرت منظمة أوكسفام الخيرية أول من أمس أن الكوارث المناخية قتلت 21 ألف شخص في الشهور التسعة الأولى من العام الحالي بما يزيد على ضعفي العدد عام 2009. واستشهد تقرير المنظمة بفيضانات باكستان وبالحرائق وموجات الحر في روسيا وارتفاع منسوب مياه البحر في جزيرة توفالو بالمحيط الهادئ كأمثلة على العواقب المدمرة للتغير المناخي. وقد جاءت الأحداث المناخية التي شهدها عام 2010 منسجمة مع التوقعات التي حواها تقرير عام 2007 لأوكسفام والتي أشارت إلى المزيد من الموجات الحارة وحرائق الغابات والفيضانات الحادة وارتفاع منسوب سطح البحر. وقالت أوكسفام إن الفيضانات في باكستان أغرقت نحو خمس مساحة البلاد وقتلت ألفي شخص وأثرت على 20 مليونا آخرين ونشرت الأمراض ودمرت المنازل والمحاصيل والطرق والمدارس وقدرت قيمة الخسائر بنحو 9.7 مليارات دولار. وأضافت أوكسفام أنه في روسيا تجاوزت درجة الحرارة متوسطها طويل الأجل بنحو 7.8 درجات مئوية في يوليو وأغسطس وارتفع معدل الوفيات اليومي في موسكو إلى مثليه ليصل إلى 700 شخص. ودمر نحو 26 ألف حريق 26%من حقول محصول القمح، مما دفع البلاد لفرض حظر على صادراته. وذكرت أوكسفام أن سكان جزيرة توفالو التي يزيد فيها مستوى سطح البحر بمعدل 5 إلى 6 ملليمترات سنويا يجدون صعوبة في زراعة المحاصيل التي يعتمد عليها السكان كغذاء نتيجة لغزو المياه المالحة للحقول. وحذر تكتل يضم أكثر من 40 دولة عبارة عن جزر صغيرة حول العالم أول من أمس من أنها تواجه زوالا مؤكدا ما لم يكن هناك تحرك بشأن التغير المناخي، مشددة على أنها لن تقبل بأية اتفاقية دولية لا تهدف إلى منع ارتفاع درجات الحرارة عالميا لأكثر من 5ر1 درجة مئوية للحد من معدل ارتفاع مناسيب مياه البحار. وقال سفير الرأس الأخضر (كيب فيردي) في الأممالمتحدة أنطونيو ليما: إننا نواجه في هذه اللحظة نهاية تاريخ بعض منا. والفرق بالنسبة لنا بين 1.5درجة ودرجتين التي تريدها الدول الأخرى هو إما البقاء أو الزوال. وكانت حكومات دول العالم قد تعهدت بإحراز تقدم في تحريك المحادثات المعلقة منذ فترة طويلة حول التغير المناخي، لدى افتتاحهم قمة للأمم المتحدة في المكسيك أول من أمس والتي تستمر لمدة أسبوعين، محذرة من أن مخاطر الاحتباس الحراري تتحول إلى واقع بالفعل. وقالت الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأممالمتحدة الإطارية الخاصة بالتغير المناخي كريستينا فيجيريس"يمكن أن تبدأ كانكون عهدا جديدا في إعطاء دفعة للجهود العالمية بشأن التغير المناخي". وأضافت أن "النتيجة يجب أن تكون عملية، غير أنه ينبغي على كانكون الإبقاء على الطموح عاليا للغاية". وكان المفاوضون أوضحوا أنه لن تكون هناك معاهدة دولية جديدة متفق عليها في كانكون ، ولكنهم يتوقعون اتفاقات حول بعض الموضوعات الجانبية ، مثل الحد من عمليات إزالة الغابات وتبادل التقنيات وإنشاء صندوق لمساعدة الدول النامية على مواجهة تأثير تغير المناخ. وقال الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون إن آثار التغير المناخي صارت ملموسة بالفعل ، مستشهدا بالأعاصير التي شهدتها المكسيك العام الحالي، والأكثر خطورة في تاريخ البلاد، والفيضانات التي اجتاحت باكستان إلى جانب الموجة الحارة في روسيا. وقال كالديرون لدى افتتاح الاجتماع "إن التغير المناخي بات حقيقة بالنسبة لنا بالفعل، والتغير المناخي يبدأ في جعلنا ندفع ثمن الأخطاء القاتلة التي ارتكبناها، نحن البشر في حق البيئة". وفي المقابل أقر نائب المبعوث الأميركي الخاص بالمناخ جوناثان بريشنج بأنه "لن يتم إحراز نجاح خلال المؤتمر إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق". ويرى الرئيس الأميركي باراك أوباما أن سياسته الخاصة بالمناخ قد أحبطت هذا العام بعدم تمرير الكونجرس تشريعا يقضي بخفض الانبعاثات الصناعية. وحازت الصين إشادة لضخها استثمارات كبيرة في الطاقات البديلة العام الماضي، في الوقت الذي تفوقت فيه على الولاياتالمتحدة باعتبارها أكثر الدول إصدارا للانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري في العالم. ورغم ذلك، لا تزال القوة الآسيوية الصاعدة رافضة لقبول مطالبات بالتوقيع على معاهدة عالمية ملزمة للحد من التلوث لديها. ويبقى السؤال مطروحاً هل تبقى الخلافات بين الدول الغنية والدول الفقيرة عائقاً أمام إنقاذ الأرض؟ وإلى متى ستظل أطماع أميركا والصين اللتين تنتجان أكثر من 40% من الانبعاثات الحرارية تهدد بفشل أي اتفاق دولي للحد من الكوارث البيئية؟.