تلقت نساء المدينةالمنورة العام الماضي 1456 طلقة، ولكنها ليست طلقات نارية مصوبة نحوهن لخروجهن عن القانون، بل هي طلقات أخرجتهن من قفص الزوجية ليحملن بذلك لقب "مطلقة"، فيما ظل الأبناء مشتتين بين أب وأم لا يجتمعان. 1738 مطلقة! في عام 1429 حملت نحو 1738 سيدة لقب "مطلقة" رغم الجهود التي يبذلها الأقارب وسعاة الخير، وبعض الجهات الاجتماعية للحد من هذه المشكلة، ومن ضمنها جمعية "أسرتي" بالمدينةالمنورة، والتي قامت بدور تثقيفي تجاه الأسر، في سعيها إلى تقليص نسبة الطلاق، والحد منه، إذ تجهد الجمعية في سبيل حل الخلافات التي تنشب بين الأزواج، سعيا وراء استمرار العلاقة بشكل سوي. موت بطيء يحكم بعض أفراد المجتمع والأسر على المطلقات بالموت البطيء. معتبرين أن خروجهن من عش الزوجية يجلب العار على الأسرة، وأن السيدة المنفصلة يجب أن تبقى حبيسة المنزل، أو تقبل الزواج من زوج آخر متزوج. إلا أن الأكثر إيلاما للسيدة المطلقة، هي النظرة الجنسية لها، والتي من خلالها يعتقد البعض أنها أصبحت لقمة سائغة، يستطيع القبض عليها متى شاء، اعتقادا من هؤلاء بأنها لن تستغني عن الجنس، بعد أن جربته في زواجها السابق!. وتروي مطلقات رفضن ذكر أسمائهن خوفا من ردة فعل أخرى ضدهن قصصا إلى "الوطن" تظهر مدى المعاناة التي يعشنها، حيث تقول إحداهن: إن طليقها سحب منها جوالها بعد أن طلقها، وأخرى عرض عليها الزواج لتصبح الثالثة، وأخرى يراقبها جارها حتى وصولها إلى العمل. تعليمات الأخ الأكبر تروي إحدى المطلقات معاناتها، موضحة أنها تزوجت قبل 10 سنوات، حيث أثمر ذلك الزواج بنتا وولدا، وبعد ذلك دارت رحى المشاكل بينها وبين زوجها "على كل صغيرة وكبيرة، ولم يفلح تدخل الكثير من الأقارب والأصدقاء لتقريب وجهات النظر بيينا، ليطلقني بعد ثلاث سنوات"، كما تقول. مضيفة: "خلال فترة عدة الطلاق، سمعت الكثير من التوجيهات، والأوامر التي يجب أن أنفذها من قبل شقيقي الأكبر، وعرفت أنه حكم علي بالسجن المؤبد، حيث كانت أوامره تنص على عدم الخروج من المنزل دون مرافق، وسحب جهاز الجوال، والكثير من التعليمات الصارمة". أوامر الأخ الأكبر، لم تكن خلال فترة "العدة" وحسب، بل امتدت إلى ما بعدها. مبينة أنه "بعد الانتهاء من العدة، مرض أحد أبنائي، وطلبت الخروج للذهاب إلى المستشفى، إلا أن شقيقي رفض ذلك، ولقي ذلك الأمر شبه إجماع من الجميع ضدي، وكأن خروجي سوف يجلب العار لهم، رغم أن خروجي سيكون برفقتهم". هذه الحال الجديدة الصعبة، جعلت أولادها يتعبون نفسيا، من كثرة مشاهدة دموع أمهم المتساقطة بشكل شبه يومي، وسؤالهم عن والدهم، وعن عدم خروجهما معهم، حتى وصل الحال إلى أن "أبقى أسيرة المنزل منذ سنوات، حتى مقتنياتي الخاصة، أختي المتزوجة تحضرها لي"، بحسبما جاء في حديثها معنا. الزوج المُسن تروي السيدة "المطلقة" معاناتها، مبينة أنه "بعد أن وجدت الأمور تسوء إلى الحضيض، ولن يكون هناك خلاص من شبح كلمة مطلقة، إضافة إلى كون أمي وأبي مقتنعين كذلك بتعامل شقيقي معي، لم يكن أمامي حل سوى أن أشتري حياتي برجل مسن، على الأقل أخرج معه إلى السوق، وأذهب إلى كل مكان برفقة أولادي، واليوم أعيش حياه أفضل من الأول"، إلا أنه رغم تحسن حالها، هنالك مشكلة أخرى تلاحقها تتمثل في "الخوف من رحيل زوجي، حيث إنه مريض اليوم، وغدا أخاف أن أرجع إلى سجن أسرتي". نظرة الشك مديرة إحدى المدارس الابتدائية، سيدة مطلقة منذ سبع سنوات، تروي كيف أن زميلاتها يستغربن شراء فلة سكنية لها، لتسكن فيها مع أولادها الأربعة، قائلة: "إنهم ينظرون لي نظرة شك، عندما أخرج من العمل مع السائق الذي يوصلني إلى المنزل". مشيرة إلى أنها تتلقى أسئلة من قبيل "هل تخرجين نهاية الأسبوع إلى السوق والمطاعم؟ حيث كان ردي لهم: نعم أنا مطلقة، لكني إنسانة أخاف ربي، ولن أرتكب معصية عند خروجي، وسوف أخرج وأسافر، وأعمل كل شيء يسعد أبنائي، ولن أنظر خلفي مدى الحياة". إلا أن المضحك المحزن في آن معا، أن "مستخدمي المدرسة يعرضون عليّ الزواج كل ثلاثة أشهر تقريبا، مضيفة باستغراب: "لا أعرف سبب ذلك، وأغلب طالبي الزواج مني هم من المتزوجين اثنتين أو ثلاث"، متسائلة "هل أصبحت سلعة رخيصة بنظرهم؟". تلصص الجيران سيدة مطلقة ثالثة، ممن تحدثت إليهم "الوطن"، والتي انفصلت عن شريك حياتها منذ ثلاث سنوات، ولم تتجاوز العقد الثالث من عمرها بعد، تعمل في مركز طبي خاص، إلا أنها تتعرض إلى إحراج يومي مع بداية الصباح، كون جارها المتزوج امتهن مراقبتها حتى تصل إلى المركز، واستمر على هذه الحال عدة أشهر قبل أن يتوقف!. معاناة البخل "زواجي كان غلطة عمري" هكذا تقول إحدى الطبيبات العاملات في مدينة جدة. موضحة أنها تزوجت من رجل يكبرها في العمر ومتزوج، قائلة: "كنت شابة أبحث عن العاطفة والحب والحنان، غير أن زوجي كان بخيلا بمعنى الكلمة، ولم يستمر الزواج معه سوى 30 يوما فقط، وبعد ذلك هربت من ذلك الزوج البخيل، القاسي المشاعر، والذي يعتبر أن الزواج فقط هو للجنس، وأنه ليس هناك شي آخر غيره". مضيفة: "خلعتني المحكمة من زوجي بعد جلسات عديدة. وبعد حصولي على الصك بكيت، وأصبت بحالة من اليأس، لكن بعد شهر من التفكير قررت أن أكون أنثى بالشكل، ورجلا من الداخل حتى أستطيع التوافق مع المجتمع". وتضيف ساردة قصتها: "اليوم ابني في السادسة من العمر، وقد وهبت حياتي له لكي أعوضه ألم وحرمان والده الذي تخلى عنه". كاشفة عن أن زوجها السابق "لم يكن يعي أن الزواج سكن ومحبة، في حين تحول لديه لمسألة تفريغ لشهواته وحسب". طلبات "المسيار" الطبيبة وبعد أن انفصلت عن زوجها عاشت وضعا جديدا، تقول عنه: "بعد أن حملت لقب المطلقة، حاول أغلب زملائي في العمل، وآخرون سواهم، أن أكون فريسة سهلة لهم، فبدأت أسمع بعض الكلمات، ووصل الأمر إلى أن عددا منهم طلبوا أن يتزوجونني مسيارا، والبعض يرسل لي رسائل على جوالي من أرقام غريبة تتحدث عن الوحدة والعذاب الذي أنا فيه، وكيف أعيش بكل صراحة بدون جنس بعد التجربة!"، وهو الأمر الذي سبب لها إزعاجا مضاعفا. وهي هنا تلقي بمسؤولية هذا السلوك تجاهها وتجاه مثيلاتها من المطلقات على "المجتمع ووسائل الإعلام التي لا تلعب دورها في تعديل نظرة المجتمع تجاه المطلقات، وهي النظرة التي تحمل كثيرا من السلبية". ذاهبة إلى أنه "ليس العيب في الطلاق، بل في المجتمع الذي يحكم دون أن يعلم ما تحمله تلك المطلقة من هموم تربية الأبناء، حيث إن عاطفة المرأة تتضاعف بعد الطلاق، وتتجه نحو الأبناء لتربيتهم ومتابعتهم حتى الكبر، وتعويضهم غياب والدهم، ونظرة المجتمع لهم". تغيير النظرة المستشار الأسري بجمعية "أسرتي" بالمدينةالمنورة عدنان خطيري رأى من جهته أنه "يتعين على المجتمع أن ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة أم في المقام الأول، وأن يبتعد عن الأفكار التي دائما ما تكون المطلقة ضحيتها". معتبرا أن هنالك أسبابا عدة للطلاق، ومنها "عدم الرؤية الشرعية، وتدخل الأهل بين الزوجين، وعدم معرفة الزوجين لمفهوم الزواج الحقيقي، والذي يعتمد على الألفة والمحبة، وكذلك نظرة بعض الزوجات على أن الزواج هو فرح وشهر عسل وينتهي". تجربة بشرية