كشف رئيس المجلس الاستشاري الأسري بدبي الدكتور خليفة محمد المحرزي ل"الوطن" أن أكثر أنواع العنف شيوعاً في المجتمع الخليجي هو العنف اللفظي والنفسي، ثم العنف المادي ، يليه العنف الجسدي، ثم العنف الاجتماعي، وبعده عنف الإهمال والحرمان، وأخيراً العنف الصحي. جاء ذلك خلال دراسة أجراها المستشار المحرزي على 160 حالة أسرية من المقيمين والمواطنين بدولة الإمارات العربية المتحدة، بينت أن أكثر الأفراد المشاركين في الدراسة أكدوا تعرضهم لممارسة العنف الخفي والذي يتمثل في عدة صور وممارسات منها الشتم والقدح والسب، أو تشويه سمعة الشريك، أو إطلاق النكات، والسخرية للتقليل من قدراته ومكانته، وهو ينفذ بطريقة غير مباشرة، وهو نوع من أنواع العنف تتجرعه المرأة في صمت لا يقل خطورة عن سابقيه إن لم يكن الأكثر إيذاء على نفسية الطرف المتضرر. ولفت إلى أن المجلس الاستشاري الأسري وهو هيئة حكومية تعنى برصد الظواهر الأسرية، تعامل مع عددا كبيرا من الحالات النسائية اللواتي يتحملن العنف الخفي من أزواجهن في صمت، ولا يستطعن التظلم لعدم وجود دليل ملموس، وذلك حتى تعيش تحت سقف واحد مع أطفالها، وللأسف لا يكتشف هذا النوع من العنف بسبب صمت الزوجة خوفا من هدم استقرار أسرتها وتشتتها، مشيرا إلى أن الصمت أكبر مساعد على استمرار هذا العنف، وكما أن هذا الصمت أكبر مانع للحصول على عدد أو إحصائية بذلك. وقال المحرزي "عندما يسمع البعض عن العنف، فإنه يتبادر إلى ذهنه أنه يقتصر على الضرب والإيذاء والقتل .. ، وهو ما نسميه بالعنف المادي، وهناك نوع من العنف بدأ يبرز، ولا يقل وطأة عن العنف الجسدي، وهو العنف النفسي، أو كما يطلق عليه بالعنف الخفي، وكلا النوعين له آثار سلبية على أفراد الأسرة. وعن آثار هذا النوع من العنف لفت المحرزي إلى أن "الحقيقة التي تغيب عن الكثير أن هذا العنف له انعكاسات جمة على نفسية الطرف الآخر، فهو يؤدي الى شرخ العلاقة الزوجية من جذورها، ويؤدي إلى المشاعر السلبية، التي يمكن أن تقود إلى الخوف المزمن والقلق والاكتئاب والأعراض النفسية والجسمية والبرود الجنسي، كما أن لهذا النوع من العنف تأثيرا على الأسرة على المدى البعيد، ويتجلى بوضوح في النواحي النفسية والبدنية والاجتماعية. وأوضحت الدراسة وفقا للمحرزي أن مفهوم العنف الخفي يتركز في هدر الكرامة الإنسانية لتلك الزوجة التي لها احترامها ومركزها الاجتماعي، أو إنزال مكانة الزوج الذي له وقاره وسمعته أمام المجتمع، باتباع سلوك غير أخلاقي يكون قد انتقل في معاملة الآخرين من اللطف إلى العنف. وأشار إلى أن العنف لا يقتصرعلى مستوى معين، وإنما له درجات متنوعة، عادة ما تبدأ بالسباب والشتائم والنظرات الدونية، أو يلجأ في بعض الأحيان إلى حرمانها من أبسط حقوقها الزوجية، ويصل الأمر للحرمان المادي الذي هو واجب الزوج كشحن شريحة الجوال أو شراء مستلزماتها الشخصية، إلى أن يتطور الموضوع، ويصل إلى الحرمان الجنسي، والذي قد تطول مدته، وهو من مسلمات الحياة الزوجية. وقال المحرزي إن أشكال العنف الخفي هي مناداة الضحية بألفاظ مبتذلة، والتهديد والوعيد بالقتل والتقليل من إنجازات الضحية، وانتقاد الشكل الخارجي لها وعزلها عن المجتمع، والسخرية وكثرة اللوم، وإهمال الاحتياجات النفسية والبدنية لها، إلى جانب مراقبة المكالمات الهاتفية، وإحراجها أمام الآخرين . وعن أسباب انتشاره في المجتمع الخليجي قال المحرزي "العنف الخفي ليس صناعة فردية، بل إنه صناعة ثقافة بيئة وممارسة مجتمع، لكن بعض الدراسات صنفت الفرد الذي يتبع مثل هذا السلوك بالهمجي، وبالأخص أسلوب العنف الخفي، بالشخصية المصابة بمرض نفسي، كما تلعب الكحول والمواد المخدرة والإدمان في إذكاء العنف الخفي دورا كبيرا . وعن النماذج التي تضمنتها الدراسة من الحالات المتعرضة لهذا النوع من العنف أكد المحرزي أن العديد من السيدات يتعرضن لهذا النوع من العنف الخفي كل يوم، دون أن يكون له أثر مادي كي يتمكن من الشكوى ومن التظلم، كالجريمة التي ليس عليها دليل. يقول "تعاملت مع عدد من الزوجات اللواتي يتعرضن لأسوأ أنواع العنف، لأنه لا يترك علامات على الجسد لتشتكي الضحية، وإنما معالمه تظل محفورة فى النفس، ومن ذلك سبها، أو الدعاء عليها وهي كلمات يكررها أزواج على زوجاتهم كلما اتصل أو ناداها بعصبية لأمر ما. ويضيف أن إحدى الحالات التي تعامل معها اشتكت أنها تتعرض للشتم من قبل زوجها بشكل مستمر، فلو طلبت منه مثلاً أن يزيد في درجة التكييف دعا عليها بأسوأ الأمراض، وإن سمعها تتحدث لأحد أبنائها بصوت عال لتنهرهم عن أمر ما، انهال عليها بالسباب والشتائم. ويتابع المحرزي "تعاملت مع حالة غريبة لرجل يعاني من عنف زوجته الذي تمارسه معه ، فعندما يختلف معها حول أي أمر تطرده خارج الغرفة، ولا تسمح له بالدخول ، ففي إحدى المواقف تشاجر الزوج معها حول موضوع يخص عائلتها، فكان عقابها له أن قاطعته شهرا كاملا في البيت، فكان يأكل بمفرده، وينام بمفرده، ولا يجد من يتحدث معه، وتقول إحدى السيدات زوجي لا يرحم، فبمجرد أن أتأخر في الرد عليه بالهاتف أو فتح باب الشقة يخاطبني بكل عصبية، ويسمعني شتى أنواع السباب، ولا يراعي أنها تكون على مسمع من أطفالي".