التنين الصيني قادم، وهو يقدم أنموذجه بديلا عن النماذج الغربية، محاولا أن يسد أي فراغ يتركه الأوروبيون أو الأميركان، وهو يطرح ذاته كبديل عن الحلفاء التقليديين للعرب في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن هذا "العملاق" القادم من الشرق، يفتقد الناطقون بالضاد للغة التواصل معه، فلا هو يفقه لغتهم، ولا هم يفكون حرفه، في الوقت الذي يجهلون عنه الكثير، سواء عن عاداته وتقاليده، أو حتى طرائق تفكيره، مما يجعل الحوار والتواصل معه، أكثر صعوبة من سواه. لغة مفقودة يقف أمام رجل صيني، له لغته وثقافته الخاصة، وينتمي لحضارة تمتد لأكثر من 2000 عام، فيما هو الآخر له لغته وثقافته المختلفة. جمعهما العمل في مكان واحد، فيما يبحثان عن لغة تقرب بينهما ذهنيا!. ينظر إليه باستغراب، حين يرى تعبيرات وجهه الثابتة، ويديه الساكنتين، وينظر إلى زميله العربي بنفس الاستغراب أيضاً، حين يرى انفعالات وجهه تتغير، ويديه تتحركان، مواكبتين لمجرى الحديث. كلاهما متحفظ على طريقة تواصل الآخر معه، وأثناء استعانتهما بلغة ثالثة وسيطة، حاولت فيها الإنجليزية أن تجمع بين الرجلين، دون أن تنجح بشكل كبير في إيصال ما يريده كل طرف للآخر بدقة. مواقف متكررة لم تكن الصورة السابقة، إلا إحدى الصور المتكررة، لموظفين عرب مع زملائهم الصينيين في بيئات عمل مختلفة، وهو ما دعا المهندس السعودي علي الشيخ أحمد، للوقوف عندها، ومحاولة إيجاد الحلول لها، من خلال دراسة علمية تجرى على عملية التواصل الثقافي عبر لغة وسيطة، بين العرب والصينيين، وهو الجهد الذي دشنه في أوائل عام 2008، ليتمكن بعد نحو عام ونصف، من تقديم دراسة بعنوان "معوقات التواصل بين الصينيين والعرب في بيئة العمل"، محاولا تلمس المشكلة، وطرائق حلها. نهوض صيني لماذا الصينيون بالذات؟ سؤال قد يدور في الأذهان، يجيب عنه المهندس علي الشيخ أحمد بالقول "بعد انتشار البضائع الصينية في الأسواق العالمية، ودخول الكثير من شركات الصين في السوق السعودية، واتساع النشاط التجاري بين الرياض وبكين في مجالات مختلفة، وإقبالنا على عصر قيادة العالم اقتصاديا من قبل الصينيين المؤهلين لأن يصبحوا الرقم واحد على المستوى الدولي، بعد تمكنهم من تجاوز كل من اليابانيين والألمان في السنوات الأخيرة، وبلوغهم للرقم الثاني عالمياً بعد الأميركان كحجم اقتصادي، والذي من المتوقع فيه أن يتجاوزوا اقتصادياً حتى أميركا إن استمروا على نفس وتيرة التقدم والتسارع، وذلك خلال مدة تتراوح بين الخمس سنوات إلى العشر سنوات على الأكثر، حسب المعطيات الاقتصادية الحالية التي تؤكد ذلك، وترجح الاقتصاد الصيني لقيادة العالم في هذا العصر، وتباعاً لما تقدم فإن من الضروري جداً أن يتم تسليط الضوء على حجم المشاكل والمعوقات، التي تحول دون سلامة التواصل بيننا كعرب وبين أبناء تلك الحضارة العريقة، ثقافياً وتجارياً واقتصادياً". لغة الجسد يجد العرب صعوبة في فهم لغة الجسد لدى الصينيين، لكون العرب يعتمدون على سياق التواصل، بينما يركز الصينيون على الكلام فقط، وسياق فك لغة الجسد مختلف بين الطرفين، مما يجعل نهاية الحوار أشبه ما يكون بمنطقة غير مفهومة للطرفين. من جهتهم يواجه الصينيون بعض المشاكل مع الموظفين والزبائن العرب، فهم لا يختلطون في مجال العمل، ودائماً ما تتكون علاقاتهم مع الآخرين خارج نطاق العمل، وذلك لاكتشاف الجانب الإنساني في شخصية الآخر، بعيداً عن الجانب العملي. معايير المقارنة اتكأ المهندس أحمد في دراسته على معايير محددة لإجراء مقارنته بين العرب والصينيين، حيث انطلق من خلال "خمسة معايير مهمة، أولها هو الانقياد للسلطة الإدارية ومدى توزيعها، والثاني تناول مسألة الفردية مقابل الجماعية، وتطرق الثالث للأنوثة مقابل الذكورة، أما الرابع فاختص بدرجة مدى الإقبال على المخاطر ووسائل الأمان المتبعة، وكان عامل التخطيط بعيد المدى وقصير المدى هو العنصر الخامس في تلك المحاور"، التي اكتشف من خلالها "وجود بعض الفوارق والتشابهات بين الشعب العربي والشعب الصيني"، الأمر الذي برأيه "يؤثر بشكل كبير، وينعكس على عملية التواصل بين الشعبين". عوامل تشابه من خلال نتائج مقارنته، وجد المهندس أحمد أن "أوجه التشابه التي تجمع المجتمعين العربي والصيني، تتركز في المحور الأول والثالث. ففي المحور الأول يبرز تركز السلطة في قمة الهرم الإداري لدى العرب والصينيين، وفي المحور الثالث تطغى سيادة الذكور على الإناث في المجتمع لدى الشعبين، وتشكل ما نسبته 52% لدى العرب، وما نسبته 50% لدى الصينيين". أوجه اختلاف المحوران اللذان تشابه فيهما العرب والصينيون، لم يكونا كافيين للجمع بين الشعبين، فهنالك محاور اختلاف، خصوصا إذا ما قارنا بين "نسبة الفردية مقابل الجماعية"، حيث نلحظ انخفاض نسبة لدى العرب لنحو 38%، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 40%، بينما في الصين تنخفض تلك النسبة بدرجة كبيرة جداً، وتشكل 10%. كما نلحظ أن هنالك درجة عالية جداً لدى العرب في قبول المخاطر والخوض فيها، تصل إلى نحو 68%، وتزيد عن المتوسط العالمي البالغ 62%، بينما لدى الشعب الصيني حذر كبير، من الإقدام على المخاطر بنسبة لا تتجاوز 35%. أما من حيث مستوى التخطيط، فإن الصينيين هم الأعلى في العالم أجمع، في التخطيط بعيد المدى بنسبة 95%، بينما العرب يفتقدون للتخطيط بعيد المدى، ولا يحرصون عليه كثيراً، إذ هم مقاربون للمتوسط العالمي في الاستفادة من التخطيط طويل الأجل، الذي تبلغ نسبته 44%، الأمر الذي تترتب عليه مشاكل كثيرة، جراء تلك الفروقات بين المجتمعين. تفاؤل وتشاؤم! ولتجنب أي ردة فعل قد تكون "غريبة"، لا بد من فهم الطرف الآخر. فعلى سبيل المثال، فقد يعتبر تقديم أي نوع من أنواع الساعات كهدية لشخص صيني أمراً "مزعجاً ومسيئاً، وسبباً للتشاؤم"، وذلك حسب الثقافة الصينية، باعتبار أن "الساعة تعبر عن اقتراب الموت ونهاية العمر". وكذلك هو الحال بالنسبة لعلب المناديل، لأنها تشير إلى "البكاء والحزن". كما يرفض الصينيون ألواناً معينة مثل: الأبيض، والأزرق، والأسود، لاعتبارات مختلفة. على عكس العرب في حبهم لبعض الألوان. ويعتبر الصينيون الرقم (8) وكذلك اللون "الأحمر" سببين في جلب الحظ الحسن، بينما يعبر ذلك اللون في أغلب إيحاءاته لدى العرب عن الدم. حركة اليدين من التقاليد والعادات الصينية التي يوليها أفراد المجتمع قدراً كبيراً من الأهمية، عدم استخدام حركة اليد أثناء حواراتهم، ويفضلون التقليل من استخدام إشارات اليد، لأنها قد تكون مشتتة للطرف الآخر، وينزعجون ممن يشير بيده أو بإصبعك عليهم، فعند الإشارة إلى جهة ما يفضل استخدام راحة اليد المفتوحة، كما يجب تجنب لمس جسد الطرف الآخر أثناء الحديث كلمس الكتف مثلاً، وتجنب وضع اليد على الفم، والابتعاد عن استخدام الوجه والفم للتعبير عن التأثر والتفاعل مع ما يقال، والحرص على ثبات تعابير الوجه، فإظهار العواطف يعتبر من العيب لدى الصينيين. الهدايا لتبادل الهدايا حساسية معينة لدى الصينيين، فأفضل الهدايا وأكثرها قبولا هي الأقلام ذات الجودة العالية، أو دعوة عشاء أو غداء في أحد المطاعم أو البيت. وإن دعا الصيني ضيفه لتناول الطعام معه، فمن الأفضل ألا يبدأ الضيف في تناول الطعام أو الشراب أولاً، ومن المهم أن يتذوق جميع الأطباق، وألا يتطرق الضيف للنقاش عن العمل أثناء وجبة الطعام، لأنه أمر مكروه لديهم. إنحناءة وتحية يعتبر الانحناء إلى الإمام، أو الإيماء بالرأس، التحية المشتركة والمفضلة لدى الصينيين، ولا يفضل أن يبدأ الطرف الآخر بمصافحة اليد، إلا عندما يمد الصيني يده ليصافحه. ويعتبر الالتزام بالمواعيد من أهم الأمور وأدقها، ويحرص عليه الصينيون لدرجة التقديس. ومن عاداتهم أيضاً، تقديم بطاقة العمل بكلتا اليدين، لغيرهم من شركائهم في التجارة. تقديس الأنظمة ومن جانب آخر، فلدى الصينيين حس عال بالمسؤولية، وولاء كبير للجهة التي يعملون بها، وقد يرجع هذا الولاء إلى ثقافتهم الأساسية. كما أنهم غير عاطفيين في مجال العمل، ويعملون بمنطقية حسب الإجراءات والأنظمة، ويقدسون النظام بشكل كبير، ويتمسكون به ويطبقونه بحذافيره، لدرجة أن الخارج عن النظام حتى وإن كان في تصرفه أو خروجه عن القانون فائدة تعود على جهة عمله، فإنه لن يسلم من العقوبة الإدارية، التي قد تصل أحياناً إلى الفصل من العمل، بعكس العرب الذين قد يكافئون من يعود بفائدة على الشركة، حتى لو كان عن طريق الخروج على النظام، فالعرب يتمسكون بروح النظام لا بحرفيته. ولا يبالي الصينيون في عواقب معاقبة أي مخطئ، وفي عدة شركات صينية كبيرة تم فصل الكثير من الموظفين والمديرين الكبار، نتيجة ارتكابهم أخطاء صب بعضها في صالح الشركة!. التواصل مثمر ولكن، مع هذا الاختلاف في التقاليد والثقافة، كيف يمكن للعرب الاستفادة من الصينيين تجاريا، والتواصل معهم؟ لحل هذا الإشكال، ينصح المهندس علي الشيخ أحمد ب"تطوير الشركات للغة الوسيطة، والتركيز على اللغة الإنجليزية باعتبارها الحل الوحيد في التواصل، وتعيين موظفين لغتهم الإنجليزية هي اللغة الأم، لتقليل الفجوة بين العرب والصينيين. وكذلك تعزيز التواصل عن طريق البريد الإلكتروني وكتابة الرسائل، لكون الأخطاء فيها أقل من المحادثة ولغة الجسد، فضلاً عن عمل اختبارات للموظفين العرب في قدرة التواصل إلى جانب اختبار المهارات الذي يجري عند المقابلة الوظيفية، وتهيئة العرب للتوظيف في الإدارة الصينية من خلال عدة برامج لتجنب الوقوع بالأخطاء مستقبلاً، ودمج العرب المؤهلين إدارياً لمناصب مديرين في الهيكل الإداري للشركات الصينية بهدف التواصل مع الموظف العربي، ومع العميل العربي أيضاً"، مقترحا في ذات الوقت "استعانة الشركات الصينية بالمسلمين الصينيين، الذين تجاوز عددهم المئة مليون مسلم، والذين يتكلمون اللغة العربية ويتقنونها، من خلال دراستهم للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لتشكيل جسر تواصل قوي بينهم كموظفين صينيين، وبين العرب الموظفين الآخرين في شركات صينية"، دون أن يغفل أهمية "تحلي الصينيين بالمرونة المطلوبة، وتكييف النفس على حسب بيئات العمل العربية".