استعادت الأذهان سيرة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وسعيه الدائم إلى التضامن الإسلامي ودفاعه البارز عن القضية الفلسطينية في مختلف الميادين، أثناء تتويج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أول من أمس، الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية لعام 2016، والتي تهدف إلى خدمة المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم. ووصفت وكالة أنباء الأناضول الملك فيصل -رحمه الله- ب"الرائد الحقيقي للتضامن الإسلامي" في العصر الحديث، لافتة إلى أنه لطالما سعى إلى نبذ الخلافات مع الدول العربية والإسلامية، فعلى الرغم من الخلافات بينه وبين الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، إلا أنه بعد حرب 1967 عقد مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، تعهد بتقديم معونات مالية سنوية حتى تزول آثار الحرب على مصر. موقف حازم أعدت الأناضول في مناسبة تتويج الملك سلمان بن عبدالعزيز، الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية لعام 2016 أول من أمس، تقريرا قالت فيه: "تستعيد الأذهان والعقول سيرة الملك الذي تحمل اسمه الجائزة، والذي عُرف عنه سعيه الدائم للتضامن الإسلامي ودفاعه البارز عن القضية الفلسطينية في مختلف الميادين". وتصدر تلك الجائزة عن مؤسسة الملك فيصل الخيرية التي أسسها عام 1976 أولاد الملك الراحل، وبعد عام من ذلك التاريخ قرَّر مجلس أمناء المؤسسة إنشاء جائزة عالمية باسم الفيصل، ومُنِحت أوَّل مرة عام 1979. ويعد الملك فيصل الذي حكم المملكة 1964 - 1975 الرائد الحقيقي للتضامن الإسلامي في العصر الحديث، حيث كان مقتنعا بالتضامن فكرة ومنهجا، وتمكن من تسجيل مواقف مشرفة له في خدمة القضايا العربية والإسلامية، حيث أسهم في لم شمل العرب بعد هزيمة 1967 من إسرائيل، ووقف موقفا حازما فيما يتعلق بحرق المسجد الأقصى، كما أنه أول من استخدم سلاح النفط في وجه المعادين للحق العربي والإسلامي في فلسطين وغيرها. القضية الفلسطينية عُرف عن الملك فيصل دفاعه عن القضية الفلسطينية، فعند رئاسته وفد بلاده في مؤتمر لندن عام 1939 لمناقشة القضية الفلسطينية، لمواجهة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، أوضح معارضة المملكة للهجرة اليهودية، وتأكيدها على حق الشعب الفلسطيني غير المنازع في وطنه. وأثناء توليه وزارة الخارجية طلب من الملك عبدالعزيز قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة، وذلك بعد قرار الأممالمتحدة القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين. وفي اجتماع هيئة الأممالمتحدة عام 1947 - لمناقشة القضية الفلسطينية والنظر في قرار التقسيم الذي أيدته الولاياتالمتحدة الأميركية - وانتقد الفيصل سياسة الولاياتالمتحدة في دعمها للصهاينة، وأوضح أن المملكة ترفض قرار التقسيم، وأنها ستدافع عن حقوق العرب وحقوق الشعب الفلسطيني بالطريقة التي تراها مناسبة. ومما قاله: "إذا كان هناك من يقول بأن يقبل العرب بقرارات الأممالمتحدة، فعلينا أن نعترف بدولة الصهاينة، لأن الأممالمتحدة معترفة بها، فعلينا أن نقبل تقسيم فلسطين الذي نصت عليه قرارات الأممالمتحدة.. وهذا ما لا يمكن أن نقبل به أو نرضى عنه، وإذا أجمع العرب في بلاد أخرى على أن يرضوا بوجود إسرائيل وتقسيم فلسطين فلن ندخل معهم في هذا الاتفاق". وفي عام 1948 وجه خطابا إلى الشعب السعودي تحدث فيه عن القضية الفلسطينية، والمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. كما خطب في عام 1963 على منبر الأممالمتحدة، حيث ذكر أن الشيء الوحيد الذي بدد السلام في المنطقة العربية هو القضية الفلسطينية منذ قرار الأممالمتحدة بتقسيم فلسطين. ومن سياسته التي اتبعها حول هذه القضية عدم الاعتراف بإسرائيل، وتوحيد الجهود العربية وترك الخلافات بدلا من فتح جبهات جانبية تستنفد الجهود والأموال والدماء، وإنشاء هيئة تمثل الفلسطينيين، وإشراك المسلمين في الدفاع عن القضية، وقد ظل طوال حياته يسعى بكل جهد إلى خدمة القضية الفلسطينية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني. قطع البترول يعد الملك فيصل الرائد الحقيقي للتضامن الإسلامي في العصر الحديث، كما أنه قرر مع عدة دول عربية قطع البترول أثناء حرب أكتوبر عام 1973، ومن أبرز أقواله عندما قطع النفط عن أميركا: "عشنا، وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما". وقال مخاطبا رئيس شركة "التابلاين" الأميركية "إن أية نقطة بترول ستذهب إلى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم". مشروع نشط الملك فيصل في الدعوة إلى التضامن الإسلامي، وإلى التعاون العربي الإسلامي من أجل خير الأمة الإسلامية ومصالحها الدولية ومستقبلها العام، لذا فقد تبنى مشروع حركة التضامن الإسلامي الرامية إلى إقامة تعاون وثيق بين دول العام الإسلامي قاطبة، فدعا إلى عقد مؤتمر إسلامي يكون على مستوى القمة يرجو من انعقاده نفعا جليلا للإسلام والمسلمين في شتى بقاعهم، وقد أنشئت رابطة العالم الإسلامي التي كانت لها الريادة في تنظيم عقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول في 18 أبريل 1965. ولترسيخ مفهوم دعوة التضامن الإسلامي، قام الملك فيصل بعدة زيارات لبلدان العالم الإسلامي، لكسب مؤيدين وأنصار لفكرة التضامن الإسلامي، وشملت رحلات الملك فيصل كثيرا من الدول الإسلامية، فقد قام برحلة إلى إيران عام 1965 وزار في طريق عودته الكويت، وفي عام 1966 زار كلا من الأردن والسودان وباكستان وتركيا والمغرب وغينيا ومالي وتونس. ذكرى استشهاده في إطار تفعيل التضامن الإسلامي أنشأ الملك فيصل عام 1972، الندوة العالمية للشباب الإسلامي لتحقيق التضامن بين المراكز الإسلامية والجاليات المسلمة في الدول غير الإسلامية، وتقديم العون والمساعدة لهم. وقد ظل الراحل يرعى التضامن الإسلامي ومؤسساته، ويقدم كل ما يستطيع لتفعيل دورها والوصول بها إلى المستوى المطلوب، وذلك حتى استشهاده في 25 مارس 1975.