هي ظاهرة جديرة بأن نتوقف عندها، وأن تكون محط عنايتنا واهتمامنا دراسة وتحليلا وتطويرا، لأن ذلك سيسهم بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي لكثير من شرائح المجتمع، ألا وهي "ظاهرة الأسر المنتجة". وهذه الظاهرة ليست غريبة عالميا، فقد عرفت الكثير من البلدان الأسر الممتدة التي احترفت مهنة معينة تعاقبتها الأجيال، فكانت علامة مميزة ومصدر جذب للمدينة التي تقطنها، ومكانا يجمع بين الأصالة وجودة المنتج. وحيث إن هذا الاتجاه قد وصل إلينا - وإن كان بطريقة مختلفة - فالكثير من الأسر في المملكة اتجهت لاستثمار قدراتها في بناء مشاريعها الخاصة، والتي تدور غالبا في فلك الطهي والخياطة والتزيين والديكور والتوصيل، والتي قوبلت بدعم من بعض الجهات الخيرية والمعارض ووسائل الإعلام، ليس هذا فقط؛ بل إن منتجات بعض الأسر قد حظيت بقبول وثقة المجتمع أفرادا ومؤسسات، وفي الحقيقة، إن هذا الأمر يعد ظاهرة إيجابية في أن تتولى الأسر شؤونها، وأن تجتهد في البحث عن مصادر دخل منوعة تكفل لها العيش بكرامة، بدلا من الاعتماد على ما تجده من مساعدات وهبات، قد تتوافر لهم حينا وتقل أو تنعدم حينا آخر، والذي يعنينا في هذا المقام هو كيف تكون هذه الأسر أكثر كفاءة وفاعلية في عملها؟ فالمطلع على طريقة العمل يلحظ جوانب سلبية عديدة، منها ما يتعلق بإدارة المشروع وضبط ميزانيته، ومنها تفاوت كفاءة المنتج بين مرة وأخرى، والمبالغة في الأسعار التي قد تتجاوز أضعاف التكلفة مرات عدة، وتجعل للمنتج الجاهز أفضلية لمعقولية الأسعار، إضافة إلى الإخلال بالمواعيد وطلب الحجز المسبق بأيام أو دفع المال، كل هذه السلبيات قد تعجل في إنهاء أي مشروع قبل الفرح بتحقيقه أي نجاح، ولذلك كان لا بد أن يكون لهذه الأسر جهة مستقلة ترعاها بالتدريب والدعم بشتى أنواعه، خصوصا ما يتعلق ببناء المشروع وتطويره، والموازنة بين التكلفة والأرباح واستثمار قنوات مختلفة للدعاية والإعلان بطرائق أكثر احترافية، كل هذا قد يخلق لنا في المستقبل القريب تغيرات إيجابية عديدة، تدعم استقلالية الأسر وبناء قدراتها، والتخفيف – بالتالي - عن الجهات الحكومية التي تتولى شؤونها.