تتداول وسائل الإعلام المختلفة من حين لآخر الأخبار عن جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان، .. شاب يردي أمه بالفأس، وأخرى تقتل طفلتها الرضيعة، وآخر يقتل أخاه، وهذا ينحر زوجته، وذاك يقتل أبناءه، وغيرها من الجرائم التي تخالف الطبيعة البشرية، اختصاصيون يؤكدون أن سبب هذه الجرائم البشعة اضطرابات نفسية تركت دون علاج فتفاقمت وأدت إلى الجريمة. فما أسباب هذه الجرائم ، وما آثارها النفسية؟ وكيف السبيل إلى مقاومتها والقضاء عليها، في مجتمع يصون العلاقات الإنسانية ويدعو إلى التراحم والتكافل الاجتماعي؟ وترى أخصائية علم الاجتماع عنود السالمي أن أغلب الدوافع لمثل تلك الجرائم نفسية بالدرجة الأولى ، تقول "تلك الجرائم لايمكن أن تصدر من شخص سوي معافى نفسيا، فالمجرم في هذه الجرائم الشاذة تسيطر عليه أوهام وهواجس، فيتصرف بناء عليها بدون تمييز أو إدراك". وأشارت السالمي إلى دور الاكتئاب كمرض نفسي حيث أن تركه دون علاج قد يؤدي إلى تفاقم الحالة وبالتالي قد يقود إلى الجريمة. وعن أساليب مواجهة هذه الظاهرة تتابع "يجب علينا ألا نغفل دور التواصل الاجتماعي، وأن غيابه يسهم وإلى حد كبير في زيادة مشاكل الاكتئاب، ومن هنا يأتي دور التفاعل الاجتماعي والتواصل العائلي، بالترويح عن النفس، وتفهم مشاكل الأبناء واحتوائها، فمثل هذه الجرائم غير مخطط لها، وتكون وليدة اللحظة جراء ضغوط نفسية وحياتية". وتقول مشرفة التوعية الإسلامية مريم السيف إن "ارتفاع معدل الجريمة وظهورها بشكل مخيف في مجتمعاتنا الإسلامية يرجع إلى حالة الإحباط والتفكك الأسري، وضعف الوازع الديني، والتقصير في تربية الأبناء من قبل الأسرة". وتضيف "من منا يصدق أنه في يوم تقتل من كانت الجنة تحت أقدامها على يد فلذة كبدها، مهما كانت الأسباب والدوافع". وترى السيف أن كثيرا من القصص التي تنشرها وسائل الإعلام يجب أن يتم التستر عليها، حتى لاتتسبب في زرع بذرة الجريمة في نفوس خالية من الإيمان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم"إذا بليتم فاستتروا" وفي ذات السياق تقول اختصاصية الإرشاد النفسي مريم العنزي "مثل هذه الجرائم المخيفة مردها الإطار الاجتماعي والعوامل النفسية، التي تتأثر بالأوضاع النفسية من خلال قوى خفية تضغط على العقل البشري حتى تحين لحظة الانفجار وحدوث الكارثة. وتنصح العنزي بمراجعة اختصاصي نفسي في حالة الشعور بالقلق أو الكبت أو الشك، قبل أن تترجم تلك الانفعالات النفسية إلى جرائم من الصعب السيطرة عليها، مؤكدة أن مراجعة الطبيب النفسي ليست معيبة، وليست لمن يعاني الجنون فقط. وترى مشرفة الاقتصاد مسفرة الغامدي أن البطالة والفراغ من شأنهما أن يخلقا ظروفا اجتماعية غير مألوفة، حيث تقول" الكثير من أبناء المجتمعات العربية لايقنعون بالوظائف ذات المردود المادي الضئيل، ويفضلون المكوث بالمنزل فتنشأ لديهم الضغوط الاقتصادية التي تولد الظروف النفسية، ومن ثم تهب عواصف الشجار الأسري، فيقع الفرد فريسة سهلة للبطالة، ومن ثم يقع فريسة سهلة للأفكار الشيطانية التي تقود لمثل هذه الجرائم". أما المرشدة الاجتماعية هاجر الفياض فتقول "يجب علينا التوجه إلى مراكز التأهيل والإصلاح، لتأهيل الأحداث وتوعيتهم بالخدمة المجتمعية التي تساعد الفرد على فهم ذاته من خلال التوجيه والإرشاد، وتوعيته بمخاطر التفكك الأسري، والتعصب للرأي". وتتابع "لابد من احتواء مثل تلك النماذج في مراكز الإصلاح ومتابعتهم، وعدم اليأس من توجيههم باستمرار، كون الإنسان كائنا قادرا على تجاوز المحن بالرغم من الظروف القاسية التي قد يتعرض لها.