يبدأ العرض بصوت رعد قوي وبرق خاطف ويصحب ذلك موسيقى خلفية توحي بالتوتر والقلق، فيما يبدو المشعوذ وكأنه يتحكم في الرعد والبرق وحوله مجاميع من الجان يؤدون حركات الشعوذة. يهبط المشعوذ إلى الأرض ويختفي ثم يتكتل الجان فوق بعضهم ليتحولوا إلى هرم. ثم يتساقطون كالحجارة واحدا تلو الآخر ليشكلوا تكتلات متفرقة تنتشر على الخشبة ليبقى لب الهرم وهو الفارس الروماني ليستعرض مهاراته بالسيف (التكتلات وكأنها جحافل حروب, يخرج الفارس ليبقى بعض التكتلات, ويهبط الراقص من أعلى ليرقص خلفه المجاميع). المنظر: (تبدو على خشبة المسرح صحراء وفي العمق رمال متباينة الارتفاع وفي خلفية المسرح سماء، وبين الرمال نرى تماثيل وكأنها أناس محنطون، وبعضها ممثلون متحجرون). المقطع الأول فجأة وكأن الزمن توقف يرى خولة على شكل خيال تحمل رأسه وتضعه على الكثيب فيقول الشعر أمام رأسه. (ينظر في عمق المسرح فإذا بالفتاة - الخيالية - ترقص مرة أخرى، يتجه لها مسرعا، تختفي فإذا مكانها خاله المتلمس، (يتحسسه). -من؟ خالي المتلمس؟. - (بعتاب): نعم خالك المتلمس, وهل غير المتلمس يقف معك, هل غيره يجهد حاله من أجلك؟ ولكن مازلت غرا صغيرا لا تعرف ماذا تعني حكمة المتلمس. - أعرف يا خال، ولكن هل تريدني أن ألغي شخصيتي وأذوب في القبيلة, أليس لنا أن نكون أنفسنا, يا خال أنا طرفة بن العبد وليس بكر بن وائل. - (بغضب): ولكنها عشيرتك! - وهاهي تطردني من حماها. و(ينشد) ومازال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد -(يؤنبه): وما الذي دفعك أن تخرج على أعراف القبيلة؟. - (يرفع صوته): أريد أن أكون طرفة بن العبد، هل تسمع يا خال؟. - لا بأس، فلتكن طرفة بن العبد، كن ما تشاء, ولكن الشيء الذي يجب أن نتفق عليه الآن أن تذهب معي للحيرة حيث بلاط الملك عمرو بن هند. - (يضحك): عمرو بن هند! لا أظن. أنا باتجاه آخر. سائر صوب الحبشة حيث الملك النجاشي. - (بدهشة): النجاشي!، ورب إبراهيم لن تفعل, احزم أمتعتك واتبعني للحيرة, إنك شاعر مفوه، خذ من عطايا الملك عمرو بن هند وهباته، فمازال هذا الداهية الأشم موئلا للشعراء يأتونه من كل حدب وصوب, وأظنك ستبز شعراء البلاط وسيعلو شأنك. - لا أظن. - ولم؟ - لقد هجوت عمرو بن هند. - هجوته؟! تهجو ملك الحيرة يا أحمق. - وماذا في ذلك؟ أليس بشرا مثلنا؟ أم إنه مخلوق من زبرجد؟ - (بغضب): أمممم، لا علينا, زوج أختك عبد بن عمرو له حظوة لدى ملك الحيرة, وسيشفع لك. - لا أظن. - ولم؟ - هو الآخر هجوته. - (بغضب): ما الذي يدور في رأسك يا طرفة، تكبر وتزداد اعوجاجا؟. - دعني يا خال, فزمني غير زمنهم. المقطع الثاني المنظر: (يبدو في وسط المسرح مجلس عمرو بن هند وحوله ندماؤه - مجاميع من الناس، الوزير، عبد بن عمرو). -عمرو بن هند: كنا نتسلى ببعض من شعرك يا طرفة قبل قليل, وفي يوم سعدي كل شيء مسل بالنسبة لي, (يخرج صرة من الدنانير ويمشي متبخترا باتجاه طرفة ويقذف عليه الصرة بعنف). -خذ هذي من عطايا عمرو بن هند (بسخرية) نظير مدحك العظيم لي. الجلوس (يضحكون). الوزير: إنها أكبر صرة مدتها يد عمرو بن هند. هنيئا لك يا طرفة. طرفة: (بعد أن شعر بالمهانة) يأخذها من الأرض ويقذفها على ظهر عمرو بن هند وهو عائد إلى مكانه). عمرو بن هند (يقف في مكانه مندهشا) كأن شخصا رماني بشيء, أفيقذف عمرو بن هند في مجلسه؟!. طرفة (يلتفت عليه عمرو بن هند بغضب شديد وقبل أن يتفوه عمرو بن هند بكلام يبادره طرفة بسيل من الكلمات العنيفة). -أنت يا عمرو بن هند ظالم شرير, متجبر خطير, طاغية مفتون بطغيانه, أنت عبد هيجانك، أسير ملذاته, مجنون أسكره الغرور الأخرق, بقدر لا وجود له إلا في عربدات طيشك وبطشك. أنت يا عمرو بن هند نمرود هذا العصر. (يتخلخل جسد عمرو بن هند من أثر قول طرفة عليه وهو يحاول الحديث حتى يسقط تاجه). طرفة (يواصل): ضاق بك حنقك بنفسك, وأفلست من أقل الشمائل الخلقية, وجفت فيك ينابيع الحس الإنساني, ردمتها بنزواتك, ببطشك الفاحش الفعل, والسافل القول, أنت يا عمرو بن هند نمرود هذا العصر. (يستمر عمرو بن هند يتخلل من شدة الكلام الذي وجه له وهو يقول كلمات غير مفهومة حتى تسقط جبته). طرفة (يواصل بنفس القوة): هل تسمعني يا عمرو بن هند: أنت نمرود هذا العصر, تريد أن تطأ بقدمك هامات رؤوسنا, بقدم حجرية لا تعرف الرحمة, تعملقت فينا كالعنقاء، ويا لك من أسطورة. (يتخلخل جسد عمرو بن هند من هول ما سمعه وتسقط ملابسه الداخلية, ويبدو ساقطا على ظهره دون حراك والقوم حوله في دهشة). طرفة (يدير ظهره لعمرو بن هند ويواصل الحديث بينه وبين نفسه بهدوء أقل) يا للعار يا للمهزلة (يتساءل) نمرود هذا العصر؟! نحن جعلناك كذلك, كان كومة من عظام ولحم وعند أمه, كان فضلة آدمي عرفناه, نحن منحناه يوما فيوما حبال شنقنا واحدا واحداً في لعبة صدقها هو, فشاء أن يشنقنا, نمرود أنت في داخلنا, (يرفع صوته أكثر) اخرج، اخرج، لا عمرو ولا نمرود، لا شيء سوى طرفة بن العبد فالحياة ملكك يا طرفة. المقطع الثالث (مجلس عمرو بن هند بإضاءة ليلية) عمرو بن هند (يحدث نفسه بعدما استعاد وعيه): - هزمني هذا السكير العربيد, هذا الصبي الغر المغرور, أهان قامتي، هو لم يقل إلا ما أحس به, قال كلاما يؤرقني ليل نهار, قال شيئا يجعلني غير سعيد, ورغم كل هذا الهيلمان والمجد والأبهة التي أعيشها إلا أن هذا الصبي خلخلها من تحت أقدامي, ليس كلاما قاله ومضى, لا، لا، إنه الوعي، نعم الوعي، وهذا ما أخشاه. المقطع الرابع طرفة: ما أنا إلا رجل كريم، يتحاشى الرذائل، وعمرو بن هند رذائل مجتمعه يكابر بزعامة مصنوعة يعرف هو قبل غيره أنها محض هراء. المكعبر: ما أشد بأسك يا طرفة, على أي حال سأكون كريما معك وأدعك تختار طريقة تحبذها تكون فيها نهايتك. طرفة: أريد أن أبارز أحد فرسانك حتى الموت فهل لي بواحد تختاره؟ المكعبر:ولك الميتة التي اخترتها، (ينادي الفارس). الفارس:(يدخل الفارس ويتقاتل مع طرفة قتال مستميت يسقط فيها ديكور القصر حتى تاج المكعبر وتنتهي بانتصار طرفة في حين يكون الفارس طريحا أرضا). المكعبر:ما دمت لا تفكر في قتل الفارس, فربما تعذرني في تنفيذ شرطي. فمثلك لا يبقى على الحياة طويلا. طرفة: ادع سيافك يا مكعبر أن يأخذ من الهواء ما يستطيع يملأ به صدره، لأنه سوف يهوي بسيفه على أعلى رقبة بين القوم.