كشف تسجيل غنائي مصور على شبكة الإنترنت يمتدح أسامة بن لادن حقيقة جديدة مقلقة، وهي أن "شعار الإسلام الراديكالي المتطرف الذي يتبناه تنظيم القاعدة وحركة طالبان أصبح له موطئ قدم في منطقة البلقان". وفي التسجيل الذي بثه موقع يوتيوب الشهير وعرضته وسائل إعلام مقدونية يظهر مجموعة من رجال مقدونيين وهم يغنون "يا أسامة، دمرت الجيش الأمريكي.. يا أسامة أعليت كرامة المسلمين.. في سبتمبر 2001 هزمت قوة .. دعواتنا لك". وبالرغم من أن معظم الأقلية الألبانية بمقدونيا مسلمون، فإنهم علمانيون بوجه عام. لكن عدداً من الخبراء يرون الآن أن "التطرف يتنامي في المناطق التي تقطنها الأقلية المسلمة، وتحديداً بعدما خاضت مجموعات مسلحة تنتمي للأقلية الألبانية، التي تشكل ربع عدد سكان مقدونيا البالع 2.1 مليون نسمة، حرباً قصيرة ضد قوات الحكومة المقدونية في عام 2001". وتشير التقارير الأمنية إلى أن "هذا التطرف أصبح بمثابة توجه في مختلف أرجاء منطقة البلقان، وهو ما أثار مخاوف من أن تصبح المنطقة، التي تضم بلغاريا العضو الجديد في الاتحاد الأوروبي، تربة خصبة يترعرع فيها إرهابيون، يمكنهم الدخول بسهولة إلى أوروبا الغربية". ويخشى الكثيرون من أن يتسلل مسلمون أوروبيون يحملون جوازات سفر تابعة للاتحاد الأوروبي، عبر الحدود ويندمجوا في المجتمع. ويستلهم هؤلاء أفكارهم من الفكر المتزمت الذي يعتنقه أسامة بن لادن وطالبان. وفي هذا السياق، قال جاكوب سليموفيسكي مسؤول التعليم الديني بالأقلية المسلمة في مقدونيا "أصبح التطرف أكثر قسوة في البلقان وأوروبا، على مدى السنوات العشر الأخيرة". وأضاف سليموفيسكي، والذي يعد أول مسؤول رفيع في الأقلية المسلمة بالجهورية السوفييتية السابقة يوافق على التحدث صراحة وعلناً عن وجود وتهديد التطرف الإسلامي، قائلاً "إنهم يؤسسون لوجود دائم في مقدونيا، بعد أن كانت البلاد تخلو منهم" مشيرا إلى "أنهم موجودون الآن في البوسنة وكوسوفو وصربيا وكرواتيا، ومؤخراً ظهروا في بلغاريا". يشار إلى أن سدس سكان بلغاريا البالغ عددهم 7.6 ملايين نسمة مسلمون يتمسكون بالمعتقدات السنية التقليدية. وقد تم الحفاظ على السلام الطائفي خلال السنوات العشرين الماضية. ومع ذلك فإن التوغلات المتطرفة في مختلف أرجاء البلقان، أدت إلى صراع سيطرة بشأن الديانة بوجه عام والملكية الخاصة بالأقلية المسلمة. وقد تم إنفاق كثير من المبالغ المالية، المقدمة من منظمات إسلامية في الخارج، في بلغاريا منذ منتصف التسعينيات، لبناء أكثر من 150 مسجدا جديدا، وكذلك ما يسمى "بالمراكز التعليمية". وبحسب المفتي العام السابق لبلغاريا نديم جندجيف، تهدف تلك المنظمات حسب اعتقاده إلى إنشاء "مثلث أصولي مكون من البوسنة ومقدونيا وجبال رودوب غربي بلغاريا". وتقول تقارير للصحف المحلية إن التطرف الإسلامي ينتشر في مدن وقرى جنوبي وشمال شرق بلغاريا. وفي عام 2003، أغلقت السلطات البلغارية عدداً من المراكز الإسلامية، بزعم أنها كانت تابعة لجماعات إسلامية يتم تمويلها بشكل أساسي من جانب خليجيين، ويشتبه في أن لهم علاقات "بمنظمات متطرفة" مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وفي السياق ذاته، تقول بيانات رسمية إن إغلاق المراكز الإسلامية هدفه "منع الإرهابيين من أن يكون لهم موطئ قدم في بلغاريا". وبالرغم من ذلك، قال المحلل السياسي ديميتار أفراموف إنها "لا تزال هناك مراكز ترفع شعارات إسلامية متطرفة، تواصل العمل والانتشار في الدولة". وأضاف أفراموف "بالإضافة إلى ثلاث مدارس إسلامية رسمية، توجد سبع مدارس أخرى على الأقل غير مسجلة، ولا تدار من قبل الدولة" مشيراً إلى أن "ثلاثة آلاف طالب مسلم، تخرجوا من هذه المدارس، على مدى العشرين عاما الماضية". وفي صربيا المجاورة، صدر العام الماضي حكم قضائي بالسجن على 12 مسلماً من إقليم ساندزاك الجنوبي المتوتر لمدد تصل إلى ثلاثة عشر عاما، وذلك بعد إدانتهم بالتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية على مواقع، من بينها مبنى السفارة الأمريكية في بلجراد. ويرتبط وجود مسلمين متطرفين في إقليم ساندزاك، وهو أفقر أقاليم صربيا، بظهور المقاتلين الأجانب الذين يعرفون ب "المجاهدين" والذين انضموا إلى مسلمي البوسنة في حربهم ضد الصرب في حرب الاستقلال في البوسنة التي استمرت من عام 1992 إلى 1995. ويرى خوسيه كارلوس - أنتونيز الخبير العسكري في التطرف الديني وصاحب الخبرة الكبيرة التي تراكمت على مدى سنوات من العمل في البوسنة أن "هناك ثلاثة آلاف شخص في البوسنة يعتنقون الفكر المتطرف" مشيرا إلى أن "مجموعة صغيرة فقط منهم تمثل تهديداً أمنياً محتملاً". وفي دراسة أعدها لمركز الدراسات المتقدمة في سراييفو في مايو الماضي، قال أنتونيز إن "الأقلية المسلمة الرسمية في البوسنة، نجحت في كبح نفوذ المتطرفين حيث تتحكم بصرامة في تعيينات أئمة المساجد والمحاضرات التي يتم إلقاؤها في المؤسسات التعليمية بالبلاد". وفي ألبانيا، تعد أيضا قضية السلفيين من القضايا الجدلية والمثيرة. فقد أكد لير كولا الرئيس السابق لإدارة القضايا الدينية التابعة للحكومة، أنهم لا يمثلون أية مشكلات في ألبانيا. وقال كولا إن مئات الشباب الألبان درسوا في جامعات في الشرق الأوسط، ومن بينها جامعات سعودية، وهم الآن أئمة مساجد، لكن من يسميهم (الوهابيين) لم يحاولوا تحدي قيادة الأقلية المسلمة، التي أكد أنها لا تزال معتدلة. فيما يقول سليموفيكسي "لقد ظهر اتجاه متشدد ومتطرف، يريد الاستيلاء على قيادة الأقلية المسلمة". وترفض السلطات المقدونية تأكيد أي تهديد للتطرف الإسلامي في البلاد. لكن مسؤولا حكوميا رفض الكشف عن اسمه لحساسية القضية، اعترف أن السلطات "تراقب جماعات متطرفة وأتباعها". وقد تورط العام الماضي ثلاثة أشقاء ألبان تعود أصولهم إلى مقدونيا، مع أردني وتركي وشخص من ألبان كوسوفو يعيشون في الولاياتالمتحدة، في خطة للهجوم على قاعدة فورت ديكس العسكرية الأمريكية في نيوجيرسي. ولم تشهد القاعدة، التي تستخدم بشكل كبير في تدريب جنود الاحتياط الأمريكيين العاملين في العراق، أيه هجمات. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية المقدونية ايفو كوتيفسكي "مقدونيا جزء من التحالف الدولي في الحرب ضد الإرهاب، ولا يمكن أن تستبعد من مسؤولية مراقبة أو التعامل مع أي نشاط محتمل أو إرهابيين ناشئين". كما أوقفت الأقلية المسلمة إمام مسجد أسا بيج في سكوبي يدعى رمضان رمضاني. لكن رمضاني يرفض أية اتهامات بالتطرف قائلاً إن مناوئيه يحاولون إثارة الذعر ضده. وأضاف "يريدون استخدام اسمي لتخويف الناس. إنها محاولة سياسية لوصم الناس الذين يريدون الإصلاح". ويصر رمضاني على أن الأقلية المسلمة في مقدونيا ليس لهم علاقة بالأغنية التي تم بثها على الإنترنت وتدعم بن لادن، ونفى صحة تقارير إعلامية مقدونية، تقول إنهم ينشطون في مساجد هناك. وقال " لا يمثل بن لادن أي شيء بالنسبة لمسلمي مقدونيا.. إنه لا يعد بطلاً بالنسبة لنا".