يصبح هذا المسكين مستبشرا وسعيدا بكل يوم جمعة، ففيه يحسن هذا العبد المقصر ظنه بربه، فبقراءة القرآن والصلاة والاستغفار والاستماع للخطبة يكون ربما نال عفو ربه وغفرانه، لكنه يدخل في معركة شديدة مع الخطبة. إذ تتضمن دائما اختلافا مع بديهيات ثقافته، التي راكمها زمنا في ذهنه، بسبب قراءاته العديدة المنفتحة، فيتلقى الضربات وهو جالس مستكين، فيقصف من بداية الخطبة وحتى نهايتها، ويخرج مثخنا بجراحه. يخرج سعيدا بوحدة أداء صلاة الجمعة، ويخرج حزينا بسبب وحدته الفكرية، فأمور خفية دارت، فإليكم أحداث المعركة: الضربة الأولى تبدأ بموضوع الخطبة، إذ يشتم فيها نفسا صحويا معتقا؛ ولذا من المنصف القول: "لقد تغير شكل الخطبة في المقدمة والنهاية ديباجة أو بلاغة" وبقي المضمون كما هو لدى الأغلب. ويتلقى الضربة الثانية والأقوى وفيها الجرح الأعمق؛ عندما تتم أدلجة المصلين جميعا نحو العداء والبغض للمخالف، أيا كان، أفي العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو غير ذلك. فيسمع صوتا إقصائيا لكل من لا يسير على النهج الأصوب والأوحد والمنجي! فيتلقى الضربة القاضية حينما يدعو الإمام على المشركين أو الملحدين واليهود والنصارى المسالمين فلا يؤمن؛ ليقينه بأنهم لم يظلموه، ما لم يعتدوا عليه. وأثناء كل هذا القصف يهمهم ويغمغم بسرية تامة؛ فإن دعا الخطيب بالتدمير والهلاك؛ همهم بنصيحة شيخه المبتهل طاغور وهو يرشد: "ادع الذين يؤثرون العيش في فحيح عالم الألعاب النارية يعيشون فيه، أما قلبي فهو يتوق إلى نجومك يا الله!". كل فريق يستحوذ طريقا ويصنع له بابا ويقول: (بابي هي الطريق) إلهي: دُلني على طريق لا مملوكة ولا محكومة ولا بابٌ لها ولا جُند. ومع تكرار هذا القصف أسبوعيا وهذا التدجين الأيديولوجي، يتذكر مقولة إمامه إذ يكرر دوما: "في هذه الخطب عدوان على العقل، وهو أخص خصائص الإنسان؛ فيتحول إلى مجرد شيء، بدلا من كونه إنسانا حرا مريدا مختارا". سؤال ثقيل قليلا: هل حققت الأديان أو طوائفها التسامح بين البشر؟! الإجابة ثقيلة جدا: لا، وكلا. ولن تحققه أبدا. فحقق ذلك أنت بمفردك؛ ليحل السلام الدائم.!