يمكن اعتبار دعوة الحكومة الأميركية بشأن إطلاق سراح الرئيس المصري المقال محمد مرسي غزلا سياسيا للأحزاب الإسلامية داخل وخارج مصر أكثر من كونها دعوة جادة يراد لها التنفيذ، خصوصا وأنها ترافقت مع التقارير التي تشير إلى بدء جهات قضائية في مصر بالتحقيق مع مرسي في بعض الدعاوى المرفوعة ضده والمتعلقة بتهمة التخابر مع جهات خارجية، وحركة الإخوان المسلمين مطالبة بعدم إعطاء البيان أكثر من حجمه الحقيقي وعدم الإصرار على إطلاق سراح مرسي خصوصا وأن الدعوة هذه اقترنت بتأكيد أميركا على احترامها لخيارات الشعب المصري. الظروف الداخلية في مصر لا تتحمل من الطرف الإخواني الوقوع في الأخطاء التي تعودوا الوقوع فيها منذ استلامهم للسلطة وإلى يومنا هذا. فالمغالاة التي يقع فيها الإخوان وتضخيمهم لقوتهم في الشارع وعدم قراءة الواقع بشكل دقيق تجعل من تكرار الأخطاء لديهم أمرا متوقعا. فمهما تكن قوة الشارع الإخواني فالحكمة تقتضي منهم عدم إهمال قوة الشارع المعارض لهم الذي ظهر بالحشود الشعبية الأخيرة ضدهم، فالمبالغة في المطالب وإبقاء سقفها عاليا ليس في صالح المكتسبات السياسية للإخوان والقبول بالأمر الواقع مع حصر مطالبهم في تطمينات أمنية وسياسية بعدم تعقب كوادرهم وضمان مشاركتهم المستقبلية في الحياة السياسية في مصر هي من المطالب التي من المفترض أن يركزوا عليها في هذه الفترة. لذلك فالحلول المتاحة للأزمة المصرية يجب أن تتمتع بالواقعية واستقراء الأحداث بشكل جيد من قبل جماعة الإخوان وكذلك من قبل الطرف المعارض لهم. فشد الحبل المتبادل بينهما لن يؤدي إلى فتح آفاق لحل المشكلة بل سيعقدها أكثر مما هي عليه الآن، وبما أن الجانب الذي يملك المبادرة الآن هو الجانب الآخر المعارض للإخوان فإن من مصلحة الإخوان البحث عن حلول جذرية للأزمة الحالية في مصر.. وأتصور أن الحل يكمن في النقاط التالية إذا أريد لها حلا جذريا وليس ترقيعيا: 1- من الممكن المطالبة بإطلاق سراح القيادات الإخوانية ومن ضمنهم محمد مرسي ولكن يجب الكف عن المطالبة برجوعه إلى السلطة لأن التطورات السياسية قد تعدت هذه المرحلة بوجود الحكومة الانتقالية، وأيضا لأن الشارع المضاد للإخوان سيرفض خطوة كهذه وهو شارع عريض لن يكون سهلا إغفاله، وهناك سبب آخر وهام جدا وهو أن محمد مرسي فقد هيبة منصب الرئيس بإقالته وحجزه وهذا الأمر له تأثيراته الحقيقية. 2- مشاركة الإخوان في الحكومة الانتقالية أفضل بكثير من امتناعهم عن المشاركة فيها لأن هذه الفترة من عمر الحكومة الانتقالية هي التي ستدشن لنوع معين من الإدارة تبنى عليه الحياة السياسية في مصر لعقود قادمة من الزمن. 3- المجلس العسكري مطالب بإبداء حسن النية وإطلاق سراح قياديي الإخوان ممن لم تثبت عليهم جرائم جنائية وأمنية، كذلك إطلاق الفضائيات التي كانت تتبنى أفكارهم لبناء الثقة بينهم وبين المؤسسة العسكرية من جديد. 4- ما شهدناه في السنة الماضية بعد الثورة على نظام حسني مبارك يعطي انطباعا بأن الاحتشاد والتظاهر الشعبي ضد الحكومات أصبح طقسا من طقوس الشارع السياسي المصري وتقليدا جديدا سيلازم الحياة السياسية فيه.. ومن الضروري على الأطراف السياسية المصرية أن تعي أن المواطن في مصر لن يسكت بعد الآن طويلا على أي تلكؤ حكومي مهما كان توجهها السياسي إن لم تكن حسب طموح هذا المواطن. وإن كان الشارع المدني هذه المرة قد استطاع الخروج ضد حكومة إخوانية وأسقطها فليس من المستبعد أن يخرج الشارع الإخواني وقوى أخرى عديدة ضد أي حكم مستقبلي لا يعبر عن طموحاتهم. ولأجل حل هذه المعضلة قبل بروزها فإن على واضعي الدستور والأطراف السياسية في مصر تضمين نقاط في الدستور القادم وهي: أ- أن يكون منصب الرئيس بالصلاحيات الممنوحة إليه بعيدا عن أي توجه سياسي سواء كان توجها إسلاميا أو علمانيا، أي يجب أن يكون منصب الرئاسة مستقلا غير منتم لأي حزب أو طرف سياسي مصري، شأنه في ذلك شأن الجيش المصري شرط ألا يفقد النظام العام في مصر مقوماته كونه نظاما رئاسيا. ب- يقتصر منصب الرئاسة على الشخصيات التوكنوقراط ممن يمتلكون الخبرة والسمعة والتاريخ النظيف. ت- يقتصر نشاط الأحزاب المصرية في مشاركتهم في انتخابات برلمانية مع تحديد مهام البرلمان حسب هذا المقتضى كي يقتصر عمل الأحزاب ضمن نطاق العمل من أجل توفير الحياة الكريمة للمواطن المصري لا المزايدة عليه بالشعارات الوطنية فحسب. 5- يحافظ الجيش المصري على استقلاليته الكاملة اقتصاديا وحياديته سياسيا وتضمين هذا في الدستور المصري لعدم العبث بدور هذا الجيش مستقبلا. 6- وضع آليات معينة في الدستور لحماية المؤسسات القضائية من التأثير الفوقي عليها سواء من قبل السلطات التشريعية وحتى التنفيذية، وتضمين ذلك في الدستور بوضوح لا لبس فيه. 7- عدم منع الأحزاب التي تعتمد على الأفكار الدينية أو أي أفكار أخرى من المشاركة في الحياة السياسية لتطمينهم من عدم الالتفاف عليهم مستقبلا.