سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
آغا "بين السياسة والفنون" يحتفي بالقدس ويحذر من تهميش اللغة العربية الوجدان العربي والإسلامي يصل في تكريم المرأة إلى حد التقديس ورفض مشاركة النساء نتاج تخلف راهن لا علاقة له بالتاريخ أو الموروث الثقافي
استحوذت القدس، باعتبارها مدينة عالمية مقدسة، على القسط الأوفر من أحدث كتب وزير الثقافة السوري، الدكتور رياض نعسان آغا، الذي ضمنه خبراته ومسيرته وعلاقاته بين الثقافة والإعلام والسياسة على مدار أكثر من أربعة عقود. واحتلت القضية الفلسطينية، بأحداثها وتواريخها وتداعياتها، الثلث الأول من الكتاب الذي صدر في القاهرة قبل أيام تحت عنوان "بين السياسة والفنون" في 260 صفحة عن دار "رؤية" للنشر والتوزيع. بدأ الوزير السوري كتابه بالإشادة بقرار اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2010، والذي اعتبره بداية لتنفيذ تعهدات عربية سابقة لتكثيف الاهتمام بالمدينة المقدسة وتذكير العالم بكونها مدينة "محتلة" خاصة وأن الشعب الفلسطيني حسب قوله ليس المسؤول الوحيد عنها، بل هي مسؤولية كل مسلم ومسيحي في العالم أجمع. ومثلما أفرد الكتاب مساحة واسعة للقدس، لم يهمل قطاع غزة الذي اعتبره رائدا في انتفاضته ومفجرا لظاهرة "أطفال الحجارة" كونه مصدر نشوة عربية ومصدر تعاطف دولي. وأشار الوزير السوري في كتابه إلى أن "الحقيقة الأولى التي يستفيدها العرب من العدوان الأخير على غزة هي أن السلام مع إسرائيل وهم لا يمكن تحقيقه"، وأن أهم قوة تعتمد عليها إسرائيل "هي الانقسام والتمزق العربي الذي يترك الأمة ضعيفة مستباحة". لم يعول الكاتب كثيرا على دور الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تصحيح الأوضاع في المنطقة العربية، رغم اعترافه بذكائه وكونه يسعى للتغيير، "لكن تصريحاته الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل لم تعط الفلسطينيين أية جرعة أمل"، منوها إلى أن انتصار القضية العربية مرهون بالعرب وبقدرتهم على التمسك بحقوقهم والدفاع عنها وليس انتظار منحة أوروبية أو أمريكية. وانتقل الكاتب بسلاسة من السياسة، كونه وزيرا حاليا وسفيرا سابقا، إلى الفن والثقافة، باعتباره كان ولا يزال إعلاميا وشاعرا وناقدا عربيا، حيث استعرض ذكرياته مع أحداث فنية وثقافية عايشها أو شارك فيها وعلاقاته مع فنانين ومثقفين التقاهم أو صادقهم في مسيرته الطويلة. فقد ضم الكتاب ما يشبه الرثاء لشخصيات عربية رحلت عن دنيانا، بينها الشاعر السوري نزار قباني الذي أساء البعض فهمه فظنوه شاعر تهتك ومجون، والأديب الساخر محمد الماغوط الذي كانت أعماله تعبيرا جارحا عن مراحل الانهيار العربي، والشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي طلب من عشاقه إنقاذه من هذا الحب القاسي لأنهم بدؤوا يطالبونه بما يفوق طاقته الإنسانية. كما كتب آغا رثاء للأديب السوداني الطيب صالح، والأديب المصري نجيب محفوظ، إضافة إلى أعلام أحياء، بينهم الفنانة اللبنانية فيروز التي فوجئ أنها تخشى الكلام أمام كاميرات التلفزيون، والكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن الذي لقبه ب "مؤرخ التلفزيون"، وآخرين كتب عن ذكرياته معهم. وأفرد كتاب "بين السياسة والفنون" قسما واسعا للنقد الفني، من خلال مقالات للكاتب حول عدد من الأعمال والأحداث الفنية، بينها حفل للسيدة فيروز في الشام، وعرض لأوبرا "بحيرة البجع" في دمشق، والفيلم السينمائي السوري "سيلينا" تأليف منصور الرحباني وبطولة دريد لحام وميريام فارس وإخراج حاتم علي، ومسلسلات تلفزيونية منها "باب الحارة" إخراج بسام الملا. لم يغفل الكاتب عن حق المرأة، حيث خصص لها مساحة واسعة تحدث فيها عبر مقالات منفصلة عن "نساء من لبنان" و"نساء غزة" و"نساء سوريا"، كما تحدث عن "عجوز في جنيف" و"امرأة في منزل نجيب محفوظ" و"مبدعة لا تنسى" و"امرأة من هذا العصر"، وأثنى على عدد من الأديبات، بينهن اللبنانية غادة السمان والسورية هيفاء بيطار. يجيب الكاتب بالتفصيل عن سؤال مفاده "هل حقا يكره العرب النساء؟"، مؤكدا زيف تلك المزاعم حيث إن "الوجدان العربي والإسلامي يصل في تكريم المرأة أحيانا إلى حد التقديس، بينما رفض بعض البرلمانات العربية مشاركة النساء في الانتخابات نتاج تخلف راهن لا علاقة له بالتاريخ أو الموروث الثقافي الذي يجد في زنوبيا وبلقيس وخولة وأسماء ونسيبة وشجرة الدر وغيرهن مصدر فخر واعتزاز بمكانة المرأة العربية". وفي حديثه عن اللغة العربية وأهميتها، يؤكد الكاتب أنها الوصفة العلاجية لمواجهة طوفان العولمة والأمركة الذي اجتاح العالم العربي وهدد هويته وحضوره لكونها المعادل الموضوعي للهوية حيث لا أمة بلا لغة، قبل أن يعود مجددا إلى إسرائيل التي وجدت في اللغة العبرية "جامعا لشتات اليهود لقرون بعدما أصبحت اللغة أقوى من التوراة في قدرتها على تحقيق هوية لأمة لم تكن لها هوية". وعاب وزير الثقافة السوري، الذي عمل بالإعلام لسنوات طوال، على بعض وسائل الإعلام العربية الحديث بالعامية المحلية، حتى في برامج الفكر والأدب وفي نشرات الأخبار أحيانا. يقول آغا: "لئن قبلنا أن تكون العامية لغة المسلسلات التلفزيونية، فإن من الصعب أن نقبل برامج الثقافة والفكر والسياسة بالعامية".