هي نيو دلهي الشرقية إن جاز التعبير.. إنها عمارة سيكو، أو "سيكو بيلدينغ"، نسبة إلى لوحة إعلانية ضخمة وضعت في أعلى المبنى الذي يتوسط سوق الدمام القديم، لتصبح بما يشبه أيقونة تجمع عمالة المنطقة الشرقية تحت لوائها. والمار بالقرب من السوق يرى باحة جامع الملك فهد وقد استوطنتها تلك العمالة بقضها وقضيضها.. فهنا جمهرة منهم تتحلق حول حافلة متجهة للجبيل، وآخرون فضلوا التدافع للحصول على حصتهم من معروضات لبائع يعرض قمصاناً بسعر بخس، فيما غير بعيد عنهم يمكن مشاهدة تجمع لثلة من الأصدقاء وهم يتبادلون أحاديثهم الجانبية، فسوق سيكو ليس تقليدياً إن صح التعبير، لأنه أشبه بالبازار، حسب الثقافة الآسيوية.. يجتمعون فيه للتبضّع ولهم فيه مآرب أخرى كما سنرى.. شبير حبيب الرحمن، شاب باكستاني يعمل سباكاً في الدمام، وجدناه يتجول في السوق بلباس منمق لا يعطي انطباعاً عن مهنته الأصلية، وتدل حالته على أنه لم يأتِ لغرض التسوق، وهو ما صادق عليه بالفعل بعد أن تجاذبنا معه أطراف الحديث، حيث يقول: لم آتِ للتسوق هنا، بل لمقابلة بعض أصدقائي القادمين من الجبيل، حيث يعملون هناك في إحدى شركات البتروكيماويات، حيث نقضي بعض الوقت في نهاية الأسبوع من بعد صلاة العصر وحتى المساء قبل أن يعودوا إلى الجبيل مرة أخرى، وخلال هذه الفترة لا نبتعد كثيراً عن سوق سيكو، لأنه يوفر كل ما نريد.. محلات بقالة، مطاعم باكستانية، تحويل عملات.. ماذا تريد أيضا؟ ساحات ومساحات خضراء للجلوس قرب الجامع، وفي أجواء تسمع فيها لغتك وأبناء بلدك حولك لتمنحنا بعض الراحة في غربتنا، وبالنهاية كل هذه "التمشية" لا تكلفني أكثر من عشرة ريالات. سوق سيكو يجدد طاقتي أسبوعياً بهذه المشاهد التي تتكرر كل يوم، وأعود بسيارات الأجرة رخيصة الثمن التي لا تكلفني سوى ريالين للوصول إلى سكني، بعدها يمكنني ارتداء ملابس العمل. السوق يحفل بعدد من الظواهر الخفية التي لا تكاد تظهر للمار بالقرب من الباحة الكبيرة، ويحتاج الأمر إلى كثير من الصبر والمتابعة لمعرفة تلك الظواهر، خاصة أن الغالبية هنا لا تسعد كثيراً بمشاهدة شخص يرتدي الزي السعودي ويريد معرفة كل ما يدور بالسوق.. بين الزحام وجدنا صديقا لنا من الجنسية الهندية ليصبح المرشد لمعرفة كواليس السوق، وبالفعل تكشّف لنا الكثير من الأمور في سوق يبدو ظاهره بسيطا يحاكي بساطة مرتاديه، إلا أن سبر أغواره سيجعل تلك الأفكار بدائية للغاية. يقول صديق من الجنسية الهندية واسمه نامبي، التقينا به صدفة: إن من أسرار السوق مادة "البان" التي تباع في السوق خلسة، وبكل هدوء، مبيناً أنها مادة تشبه التبغ إلا أن بعض الباعة يضيفون عليها بعض الإضافات لمواد مخدرة قبل بيعها، وتباع بسعر لا يتجاوز 5 ريالات للكيس الواحد، وتجد الكثير من الرواج بين العمالة الموجودة، لسهولة إخفائها وتأثيرها المخدر السريع. وبالفعل كانت قارعة الطريق شاهداً على بقايا البان التي يلقيها مستخدموها بعد الانتهاء من مضغها.. يختتم نامبي حديثه قائلاً: لا يمكن منع البان بسهولة، إنها مجرد كيس لمن لا يعرفه. ماذا بعد؟ تستثمر بعض العمالة كثافة وجود أقرانهم عبر ترويج الكثير من المواد الممنوعة، مثل الأقراص الإباحية والأغراض المسروقة التي ما زالت تجد الإقبال لدى الكثيرين من العمالة، كما يدور الهمس في أن سوق سيكو يمكن أن تجد فيه حتى تأشيرات عمالة جاهزة. والسوق بحسب شهاب المغيري "متسوق" يشابه أسواق العواصم الآسيوية، حيث يمكن للبائع الذي يفترش قارعة الطريق أن يبيع أو يوفر لك "كل ما تريد" عبر اتصال سريع. من جهته يبين الناطق الإعلامي لأمانة المنطقة الشرقية، محمد الصفيان، أنهم يحرصون في الأمانة على مكافحة جميع الظواهر السلبية أو المخالفات، إن وجدت، في جميع أسواق الحاضرة. وأضاف الصفيان ل"الوطن": دوريات الأمانة تعمل بشكل متواصل على التأكد من نظامية الأسواق وعدم وجود مخالفات ومنها سوق سيكو، كما أن لدينا حملات منظمة بمشاركة جميع الجهات الرسمية، مثل إمارة المنطقة الشرقية، والشرطة والجوازات.. تستهدف مثل هذه المواقع بين فترة وأخرى. غادرنا السوق الممتلئ بضجيج أصوات المتسوقين وأبواق مركبات الأجرة التي لا تتوقف، ونحن نزعم أن السوق لديه الكثير الذي لم يبح به، فولوج هذه الأسواق يبقى أمرا صعبا ويحتاج إلى كثير من الصبر قبل التعامل معه بشكل مباشر.