شكل مهرجان "تراكالت" التراثي الموسيقي فرصة لفناني مدينة تمبكتو المالية لإسماع صوتهم الذي توارى بفعل سيطرة المتشددين الإسلاميين القابضين بيد من حديد على مفاصل الحياة في إقليم أزواد، ورغم ظروف منافيهم القسرية؛ حيث جاء أغلبهم للمشاركة في المهرجان من دول بعيدة اختاروها وطنا بديلا في انتظار استقرار الأوضاع بمنطقتهم، فقد أبدع فنانو تُومبُوكتُو ومن بينهم الفنانة فتيماتا ومجموعة "تَارتِيت" في اتحاف جمهور المهرجان والتعريف بمظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية لمنطقة تمبكتو التاريخية. وكرّمت الدورة الرابعة من مهرجان "تَرَاكَالْتْ" الموسيقي الذي اختتم أخيرا بالمغرب التراث الإنساني في مدينة تُومبُوكتُو بمالي حيث دمّر متشددون إسلاميون أضرحة ومآثر مصنّفة تراثيا على لائحة منظمة اليونيسكو منذ عام 1988. واستقطبت الحفلات الفنية لفناني مالي جمهورا غفيرا ملأ عشرات الخيام الصحراوية التي أحيطت بالمنصة الرئيسية، ونجحت إيقاعات أغانيهم الحزينة وكلماتها الشجية في إثارة الحاضرين خصوصا عبر الموسيقى التراثية التي تعد جسورا للمد المعرفي بين شمال أفريقيا ووسطها. وتحلقت اعداد من الجمهور وبعض الباحثين حول فناني مالي الذين حلّوا بالجنوب الشرقي للمغرب من أجل التغنّي بالمحبّة والسلام للاستفسار عما يحدث للمخطوطات والمكتبات والكنوز التاريخيّة العاكسة لمجد تُومبُوكتُو العريق بعد سيطرة متشددي حركة "أنصار الدّين" عليها. وكانت ردود الفنانين مجمعة على تدمير الأضرحة والآثار ليست جزءا من خطة المتشددين الذين يسعون إلى القبض بيد من حديد على مفاصل الحياة في إقليم أزواد، وفرض نمط من الملبس والسلوك على الساكنة، وناشدوا الجميع بحماية مدينة تُومبُوكتُو التي ظلت لقرون ملتقى ثقافيا ومحتضنا لمختلف الأشكال الفنية المعبرة عن ثقافة الشعوب الأفريقية. وحاول منظمو مهرجان "تراكالت" وهو الاسم التاريخي الذي حملته أمحاميد الغزلان على مدى قرون، التخفيف من وطأة انعدام الاستقرار ودق طبول الحرب في إقليم أزواد بتوقيع اتفاق شراكة أمام الجمهور وعلى منصّة الحفلات، يقضي بتنظيم "مهرجان تومبوكتو" و"مهرجان تَرَاكَالْتْ" تظاهرة ضخمة بعنوان "قافلة مهرجانات الصحراء" تنطلق العام المقبل من أمحاميد الغزلان بالمغرب إلى تومبوكتُو بمالي، في محاولة لإعلاء صوت الموسيقى على أزيز الرصاص. ويهدف مهرجان "تراكالت" إلى التعريف بمظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية لدى القبائل الصحراوية في الجنوب الشرقي المغربي، وحماية الموروث الحضاري الصحراوي وإنقاذه من الاندثار خاصة في منطقة أمحاميد الغزلان التي كانت نقطة لقاء بين جنوب الصحراء الأفريقية وشمالها. وكانت مجموعات متطرفة مسلحة تطلق على نفسها اسم "أنصار الدّين"، قد احتلت مطلع أبريل الماضي مدينة تومبوكتو الواقعة في صحراء مالي، ويعود تأسيس تومبوكتو إلى القرن الحادي عشر، وقد ساعدها موقعها الاستراتيجي بأن تتحوّل إلى مركز للمبادلات التجاريّة بين القارّة السّوداء، وبلاد المغرب والمشرق، ثم تحولت انطلاقا من القرن الخامس عشر إلى واحدة من أعظم المدن في أفريقيا وفي العالم الإسلامي.