أذكر أنه في يوم الجمعة 6 /12 /1431 صدر بيان عن الديوان الملكي بتعرض مليكنا، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله ويرعاه، ويعافيه من كل مكروه، لانزلاق غضروفي، أكد فيه ضرورة اطلاع المواطنين على حقيقة مرضه بكل صدق وشفافية، لأنه رجل شديد الإيمان بربه، يدرك يقيناً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبالقدر نفسه، فهو قائد صادق مع شعبه، يؤمن إيماناً قاطعاً أن من حق شعبه عليه معرفة وضعه الصحي بكل تفاصيله. ولأن النية الصادقة دائماً تحمل صاحبها كما يقولون، تدافع المواطنون يومئذ، منذ لحظة إعلان الديوان الملكي عن حالة خادم الحرمين الشريفين، ثم سفره إلى أميركا للعلاج، حتى عودته سالماً غانماً معافى إلى أرض الوطن 20 /3 /1432، أي بعد ثلاثة أشهر تقريباً من مغادرته أرض الوطن، أقول: تدافع المواطنون يومئذ بكل فئاتهم، رافعين الأكف للواحد الأحد، الفرد الصمد، أن يشفي مليكنا، ويلبسه ثوب الصحة والعافية. وعندما استجاب الله دعاءنا، وعاد إلينا قائدنا كما كنا نتمنى له من تمام الصحة والعافية، تدافعنا مرة أخرى نتسابق على الأعمال الصالحة، شكراً لله سبحانه وتعالى أن من على قائدنا بالشفاء، وأذكر أن سيدي صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس هيئة البيعة، يحفظه الله، وجه بذبح مئة بعير، وتوزيع لحومها على الفقراء والمساكين والمحتاجين. كما وجه سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، الذي كان أميراً للرياض يومئذٍ، بتوسيع دائرة خدمات بنك الطعام، الذي كان في البداية قاصراً على مدينة الرياض، ليشمل سائر منطقة الرياض، على أن تؤسس له فروع أخرى في جميع مناطق بلادنا لاحقاً ليقدم الطعام للفقراء والمحتاجين بشكل دائم، بطرق مبتكرة، كما يوفر لهم بجانب هذا الكساء في أوقاته المعتادة كالأعياد والشتاء والصيف وبداية الأعوام الدراسية. وتسابق الأهالي أيضاً، أفراداً وجماعات لفعل الخيرات، فتبرع بعض المواطنين بالدم للمستشفيات، بل إن بعضهم ذهب أبعد من هذا، فتبرع بأعضائه حالة وفاته، لينتفع بها المحتاجون، وتنازل كثيرون عن الدم، وعفوا وأعتقوا الرقاب لوجه الله تعالى، فرحاً وابتهاجاً بشفاء المليك. وعندما طالعنا الديوان الملكي يوم السبت 3 /1 /1434 ببيان يفيد بأن خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، سيجري عملية جراحية لتثبيت التراخي في الرباط المثبت في أعلى الظهر، تداعت أمامي كل تلك المشاهد التي عاشها أبناء هذا الوطن الموحدون المتحدون المتفقون على حب قادتهم، المخلصون لهم، فتكررت الصور في توال عجيب، يؤكد صدق القائد الذي لا يكذب أهله أبداً، كما يؤكد من جهة أخرى، صدق هذا الشعب السعودي الأبي، ووفاءه وحبه لقائده. فليس الأمر إذن ظاهرة عابرة أو انفعالا وقتياً، بل هو عادة متأصلة في نفس الإنسان السعودي. وما أشبه الليلة بالبارحة! فها هو الشعب السعودي الوفي، يعيد ملحمة عام 1431ه ذاتها، فتجيش مشاعرهم بالحب والوفاء والولاء لمليكهم الصالح، ويبتهلون إلى الله في كل حين، أن من على قائدنا ووالدنا المحبوب بالشفاء، فيعلن بعضنا تنازله عن الدم لوجه الله تعالى، كما فعل المواطن الشهم ذياب شراع الذيابي العتيبي الذي أكد تنازله أمام ولي عهدنا الأمين، يوم السبت 8 /1 /1434 عن قاتل ابنه (عناد)، كما جاء في صحيفة الرياض يوم 9 /1 /1431. أما لماذا كل هذه العاطفة الجياشة تجاه هذا القائد الشهم المصلح، فلأنه خريج مدرسة والده المؤسس عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، في الحكم والإدارة، فكان قائداً استثنائياً في زمن استثنائي صعب، اختلط فيه الحابل بالنابل، ومع هذا، استطاع أن ينأى ببلاده وشعبه عن كل ما عصف بالعالم من محن اقتصادية أوتشرذم سياسي. أجل.. انبثقت هذه العاطفة الجياشة تجاه قائدنا عبدالله بن عبدالعزيز، لأنه محب لشعبه، حريص كل الحرص على مصالحه، شديد الفخر والاعتزاز به، حريص أيضاً على وحدتنا وتآلفنا وتعاوننا، وحياتنا كأننا أسرة واحدة، شديد التواضع، لا يرى نفسه أكثر من أي واحد بيننا، وقد أكد هذا في أكثر من مناسبة، وما زلت أذكر، بل إنني لن أنسى أبداً، مناشدته الصحفيين والإعلاميين في حضرة طلبة العلم والمشايخ أن يخاطبوه باسمه مجرداً هكذا: عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، لأنه لا يحب أن يصفه أحد – ب(ملك القلوب أو ملك الإنسانية أو صاحب الجلالة). إذ يقول عن نفسه، بكل تواضع لربه "أنا عبدالله وخادم بيته ومسجد رسوله، وخادم هذا الشعب السعودي الأصيل. أما الحرص على خدمة هذا الشعب، والاهتمام بتلبية حاجاته، فهو ديدن قادة هذه البلاد منذ بزوغ فجرها، وكلهم يردد مقولة المؤسس عبدالعزيز التي ترن في الآذان عند كل قرار يتخذ: (... إن خدمة الشعب واجبة علينا، ولهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه، ويخلص له، فهو ناقص). أجل.. من يتأمل سيرة خادم الحرمين، يراه يجد السير بخطى حثيثة راسخة على منهج المؤسس، شديد الاعتداد بدينه وعروبته وانتمائه لهذه الأرض الطاهرة، شديد الاهتمام بجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم، حريصاً على نصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض. وفي هذه الإنجازات العظيمة التي شهدها الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة، أصدق دليل على صدق نية الرجل، وحرصه على راحة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، الذين يفدون إلى الديار المقدسة للحج والعمرة. فلا غرابة إذن أن يجري الله الخير في هذه البلاد على يدي عبده الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، فيشهد عهده أضخم ميزانية في تاريخ بلادنا خصصها لتحويل الوطن كله إلى ورشة عملاقة، كما يؤكد ولي عهدنا الأمين وعضد عبدالله المتين، لاستكمال بنية تحتية متينة، تعم كل شبر من أرجاء الوطن، فهنا جامعات ومدن جامعية بمواصفات عالمية، وهناك مستشفيات ومراكز طبية متخصصة، وغير بعيد عنها طرق وجسور وأنفاق، وبالقرب منها مراكز مالية عملاقة، ومصانع ومساجد ومدارس، و ... و... أهلت بلادنا للدخول إلى العالمية من أوسع أبوابها. ومع كل ما تحقق لنا من إنجازات مدهشة في عهد قائدنا الزاهر، إلا أنه لم يغفل واجب بلادنا تجاه إخوتنا في الدين والعقيدة والعروبة، الذين يحمل همهم ليل نهار، مثلما يحمل هم شعبه، وينافح من أجل نصرتهم بكل ما أوتي من قوة وقدرة وسعة حيلة. كما أنه يعمل جاهداً، وفقه الله، على تعزيز دور بلادنا الإنساني والسياسي، وتأثيرها الاقتصادي في العالم أجمع، حتى أضحت اليوم رقماً صعباً، حاضراً بامتياز في كل ما يتعلق بسياسة العالم واقتصاده. ولهذا كله، نتسابق نحن السعوديين، ومعنا أكف العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في الدعاء والابتهال إلى الكبير المتعال، أن يجنب قائد مسيرتنا وحادي ركبنا كل مكروه، ويلبسه ثوب الصحة والعافية.