هيلة فنيس القحطاني مع الرجوع إلى المدارس بعد إجازة عيد الأضحى المبارك، يجد كثير من الأهالي صعوبة بالغة في إعادة أبنائهم إلى نوم الليل, حيث إن أكثر الناس قد اعتادوا سهر الليل ونوم النهار في الإجازات, والمعروف أننا لأبنائنا ننشد المجد, ولكننا في أكثر الأحيان لا نبحث عنه, نريده أن يكون مرنا، ويأتي هو إليهم دون عمل ومشقة أو كد وعناء, ما جعل أكثر الأبناء يعيشون بعبث عابث ونحن السبب حين تركنا لهم العنان بتعويدهم على السهر دون اكتراث, بل امتد السهر حتى طال كثيرا منا بل أصبح عادة ممارسة في أسلوب حياة الأغلبية, باتباع وتيرة السهر بالليل والنوم بالنهار, ولا ننسى هنا ما تعانيه المدرسة باعتبارها من وسائط التنشئة للأبناء، وهي بالطبع متضررة وإداراتها من الحالات التي تردها من الطلاب المرهقين الذين يحضرون إليها والنوم ما زال عالقا في عيونهم, وبالتالي يكون هناك تأخر دراسي لدى هؤلاء الطلاب, وتدفع الأسرة الثمن غاليا نتيجة إهمالها. وإذا نظرنا إلى هذه القضية كقضية تؤثر على المسيرة التنموية للمجتمع ككل, ذلك أننا نعاني من البطالة المقنعة سواء على الصعيد الوظيفي ويمثله الموظف، أو الصعيد التعليمي ويمثله الطلاب الخريجون الذين لم يستفيدوا الاستفادة القصوى من تعليمهم، وبالتالي يخرجون إلى المجتمع خالي الوفاض، ولم يحصلوا إلا على القدر اليسير من المهارات التعليمية المطلوبة, وقد يكون السهر أحد العوامل التي أدت إلى هذه النهاية غير المرضية لمجتمع ينشد الرقي والحضارة, ما جعلني أقف ذاهلة أمام مفهوم السهر. حاولت جاهدة أن أفسر التشبث بالسهر وحب الناس له بشتى الطرق والوسائل فلا أجد فائدة واحدة تعزز ممارسته وتشجع الإقبال عليه, بل أجد لنفسي أكثر من مخرج إزاء من يناظرني لو بفائدة واحدة بسهر الليل ونوم النهار, فسأضع كتاب الله عز وجل فيصلا لإظهار الحقيقة التي تشفي القلوب، وهاهو يشير إلى أن الليل وضع للراحة والنوم وطلب الرزق والعيش بالنهار: (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا), ألا يكفي هذا البيان؟ ولكن أغلب الناس الآن قلبوا هذه القاعدة وجعلوا الليل لهوا وسهرا وهرجا ومرجا، وتركوا النهار بكل ما فيه من بركة وكذلك لنا في رسول البشرية الأسوة والقدوة الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم, (اللهم بارك لأمتي في بكورها). لقد أثبتت الأبحاث العلمية أن كثيرا من الهرمونات التي تفرزها ساعات النوم بالليل، ومنها على سبيل المثال (هرمون النمو) مسؤولة عن إكساب الجسم مزيدا من القوة العضلية, والقوة الذهنية, ومع طول السهر بالليل يحرم الإنسان من هذه الهرمونات بالصورة الطبيعية, كذلك لوحظ زيادة إفراز هرمون (الميلاتونين) أثناء النوم ليلاً، وهو المسؤول عن إعطاء الجسم مزيدا من الحيوية والنشاط, وإكسابه مزيدا من المناعة ضد الإصابة بالأمراض المختلفة بما فيها الأمراض الخبيثة، ولذلك نلاحظ أن الذين يدمنون سهر الليالي يعانون من الكسل والهزال وضعف البنية الجسدية, ومن أضرار السهر إصابة العين باحمرار ونقص في حدة الإبصار وذلك بسبب نقص إفراز مادة (أرودوبسين) التي تفرز بكثرة أثناء النوم ليلا, فيصاب الإنسان بالهذيان , والتشتت الذهني. وقد سُجلت بعض الحالات التي أصيب أصحابها بالجنون من كثرة السهر ليلاً، وتعزى أسباب ذلك إلى تأثر الموصلات العصبية الكيميائية بالمخ, مثل مادة (السيروتونين) وحامض البوتريك، ولا شك أن النوم ليلاً له فوائد لا تعد ولا تحصى ومن تلك الفوائد: إبطاء عمل الجهاز العصبي (السمبثاوى) وهذا يؤدي بدورة إلى مزيد من الراحة لجميع أجهزة الجسم, وخصوصا القلب, والجهاز التنفسي, وهذه فوائد قد حرم منها المدمنون على سهر الليالي, فيصابون بأمراض القلب المختلفة والتوترات, والقلق الدائم, وكذلك يؤدي النوم إلى زيادة مخزون الطاقة في الجسم وتجديد خلايا وأنسجة الجسم نتيجة زيادة إنتاج البروتينات وانخفاض نسبة تكسيرها، ذلك أن البروتينات هي المسؤولة عن نمو الخلايا وتعويض ما يتلف منها على سبيل المثال، بسبب الأشعة فوق البنفسجية أو بسبب الضغط النفسي، لهذا فالنوم الجيد مهم للجمال, ويرتفع هرمون النمو في الجسم إلى أعلى مستوياته أثناء النوم. هذا الهرمون ليس ضرورياً للأطفال فقط كما قد يعتقد بعض ولكن للكبار أيضاً - إلا أن إفراز هذا الهرمون يقل مع التقدم في السن. هذا الهرمون يعمل على تجديد وبناء الأنسجة، العضلات، والعظام، كما أنه يقاوم تأثير هرمون "الكورتيسول" على أجسامنا, والنوم يساعد على تقليل ظهور أعراض كبر السن، كما يساعد على تقليل نمو الخلايا السرطانية، وبالتالي فهو يساعد في الحفاظ على الشباب والوقاية ضد بعض الأمراض, وقد بينت الدراسات أن قلة النوم تسبب ارتفاعا في ضغط الدم صباح اليوم التالي، وأن تكرار ذلك يؤدي إلى أضرار صحية خطيرة, ويعتقد الباحثون أن عدم أخذ القسط الكافي من النوم مسؤول عن حدوث الأزمات القلبية في ساعات الصباح المبكر في معظم الحالات. وأخيرا، الطريق إلى الهاوية بسبب السهر سهل، وبسيط.. وقد يكون ماتعاً في بعض الأحيان.. أما الطريق إلى المجد وسبيل الترقي فإنه شائك وصعب ومكلف, وبين الاثنين طريق آخر هو طريق الإهمال واللامبالاة والعجز والتخاذل والكسل وعدم الإحساس بالمسؤولية وبقيمة الزمن وتناقص العمر, ومن يسيرون نحو الهاوية يختصرون زمنهم ويدفعون بحياتهم إلى متاهات الضياع وسراديبه المظلمة والمجهولة.. ولذلك فإنهم يموتون كل ليلة.. وهم يعتقدون أنهم الأسعد في هذه الدنيا, ولو نظروا للمرآة، فإنهم سيجدون السواد يحيط بأجفانهم, ولو فتشوا عن الحقيقة داخل عقولهم وفي أرجاء مشاعرهم المقتولة بفعل السهر واللامبالاة, فإنهم سيكتشفون أنهم يستعجلون نهايتهم المؤلمة, ويكتبون سطور فنائهم وهم في قمة شبابهم.