أحب شهر رمضان، أحبه كثيرا، فهو رحمة من عند الله تأتينا لتطهرنا من أعباء الدنيا وتعلقنا بها. يأتينا ليذكرنا بسبب وجودنا في هذا الكون، بغايتنا السامية. يأتينا ليقرصنا الجوع أحيانا، فنحمد الله على نعمه الكثيرة الوفيرة، ونتذكر إخواننا الذين هم أقل منا حظا، الذين اعتبروا الجوع رفيقهم، يذكرنا بمساعدتهم، بالإحساس بالغير مهما كانت معاناته، يذكرنا بأن التعلق بالله وحده، والعمل للآخرة، هو أهدى شعور للروح. يتغير الناس غالبا في هذا الشهر الفضيل، فيصلي كل فروضه من لم يكن منتظما على الصلاة، ويقرأ القرآن من كان لاهيا عنه، ويذكر الله كثيرا من كان غافلا، وتلك من نعم رمضان التي وهبها الله لنا، يأتينا كتصفية لأرواحنا من دنس ما كنا نرتكبه، فكلنا نتغير في رمضان للأفضل. البعض ينعت من يتغير ويتمسك بالدين في رمضان بالمنافق، فيقول «إن الله في كل أيام السنة وليس فقط في رمضان»، نعم إن الله في كل أيام السنة، يرانا جميعا، وهو حكمنا، فلمَ نحن البشر ننتقد طريقة غيرنا في التقرب منه سبحانه، لمَ نحكم على محاولاتهم ولو كانت قليلة في نظرنا بالفشل، لمَ نقرر نفاقهم معه والعياذ به- عز وجل؟! كلنا نحاول بطريقتنا الخاصة، على قدر طاقتنا المحدودة، فمن كان يتهاون عن الصلاة وتمسك بها في رمضان يحاول، يسعى، والأكيد أن ما يفعله أفضل له من استمراره بتركها في هذا الشهر الفضيل، والذي قرأ القرآن بعد لهوه أفضل له من عدم قراءته أبدا، وهكذا، فالقليل البسيط والخطوات المحدودة، أفضل بكثير من عدم التقدم والمكوث في الحال السيئ، وربما ذلك الذي لم يكن يصلي يهديه الله برحمته في إحدى صلواته في رمضان، ويستمر بعده ثابتا عليها، فإن الله يهدي من يشاء، والحال يتغير في طرفة العين، عمر بن الخطاب أسلم وأصبح صحابيا عظيما بعدما كان قد عُرف بعكس ذلك. يجب ألا نشمت، لا ننتقد، لا نقرر، فالكلمة التي نقولها عن الناس سيعيدها الله لنا بطريقة ما، إنها طاقة سيئة جدا لنا ولحياتنا، وربما تشمتنا بمن يحاول أو كلمة نقولها له يجعله يتوقف عن المحاولة، فهل فعلا نريد أن نكون سببا في توقف من كان يريد القرب من الله، من كان يريد الأجر، هل سنتحمل هذا الذنب؟ كلنا نحاول أن نجتهد في هذا الشهر الفضيل بطرقنا المختلفة، والاجتهادات كلها خير قليلها وكثيرها، والمهم هو أن نحاول وأن نتحسن، فمن كان يقرأ صفحة من القرآن يوميا وقرر أن يختم القرآن يجتهد، ومن كان لا يقرأه أبدا وقرر أن يقرأ صفحة يوميا فهو يجتهد أيضا، كلنا نُعَد مجتهدون، كل اجتهاد وأجره عند الله، هو الذي يثيب وهو الذي يحكم ولا شأن لنا في ذلك. لنبتعد عن إصدار الأحكام على الناس في هذا الشهر، بل لننشغل بأنفسنا، بسعينا نحن، بعباداتنا نحن، وندع الخلق للخالق، بل وإن رأيناهم يحاولون، نشجعهم، نوضح لهم فخرنا بهم، نجبر بخاطرهم، نخبرهم بأن الرب كبير وأن الرحمة واسعة وأن الله- سبحانه وتعالى- أدخل سيدة الجنة لسقيها كلبا بعض الماء، فما ظنكم بربكم الكريم سبحانه؟ رمضان هو شهر الروحانيات، هو الشهر الذي نركز فيه على أن نعلو بأنفسنا وأرواحنا، هو الشهر الذي نتقدم به للأمام ولو بخطوات لم نعتد على خطوها، حافظ على صلاتك وإن كنت تتهاون بها سابقا. اقرأ القرآن وإن كنت هاجرا له سابقا. اذكر الله كثيرا وإن كنت غافلا سابقا. وتصدق وادعِ، فإن الصدقة والدعاء يغيران القدر. إن الرب عظيم، وإن الرحمة واسعة، وإن خطواتك التي من قلبك وإن كانت قليلة في نظرك ربما تكون أفضل من ألف خطوة من شخص مشغول بالخلق وأفعالهم. انشغل بنفسك، بروحانيتك. اسع الآن ولو كنت بنظرك مبطئا سابقا. عوّد لسانك على ذكر الله، فإن الأيام المتتالية كفيلة بخلق عادة جديدة، ومن أجمل ما نعتاده هو ذكر الله. اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة. اذكر الله في السر يذكرك في العلن. اذكر الله فهو نعم الرب ونعم الوكيل. «سبحان الله... الحمد لله.. ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» أسأل الله أن يعيده علينا وعليكم سنين عديدة مملوءة بالقرب منه والسعادة والراحة والرضا الدائم.