رحم الله أمي..لا فراق إلا فراق الموت، ولا حزن إلا حزنه، ولا مصيبة أكبر منه بنص القرآن الكريم، قال تعالى «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» صدق الله العظيم. مصيبة ليست على الميت، ولكن يُصاب بها الحي لفجيعة الفقد ووحشة رحيل الأحبة، خواء تُصاب بهِ أرواحنا ليستقر بنا ما بقيت ذاكراتنا حية، لماض يحاصرنا، وحاضر يستفرد بنا لنقع فريسة غضة لذاكرة المكان وثقل الزمان، يمر فلا نعود نستشعر مروره لتستحيل الدقائق لساعات والساعة لدهر. فُجعنا بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره منذ أيام قلائل بوفاة أمي رحمها، الله تعالى، أمسينا فلم تصبح، صحونا ولم تصح، توفاها الله في نومها الموتة الصغرى فكانت موتتها الكبرى، إنا لله وإنا إليه راجعون. أستوحش المكان وخفت نور كان مُضاء، تهادي يديها الباردتين أشبه بذاك البرد الذي سكن واستوطن أعماق روحي، ذاكرة ضبابية لذكرى زلزل ضرب أركان جدران اهتزت له هولاً ووجلاً، أبواب جنة توارت عنا، حبل قُطع بيننا ولكن عن رحمة الله تعالى بالحي والميت جعل حبلا متينا لا يُقطع بموت ولا يدنى بحفره، كيف لا وهو العالم بنفوسنا وما يعتريها من لوعة الفراق ومرارة الفقد. عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله تبارك وتعالى ليرفع للرجل الدرجة فيقول: رب أنى لي هذه الدرجة؟! فيقول: بدعاء ولدك له». مفتاح رحمة لقلوب أقفل الموت أبوابه وحال دون لقاء يجمعها، مفتاح يُسمع من لا يسمع ويمسح بيد حانية على قلب يئن ويألم لفقد يعلم ألا عين له ولكنه حقيقة حضرت لكأس سيشرب منها كل حي، باب وكل الناس داخلة كما يقول الشاعر: الموت باب وكل الناس داخله،،،، يا ليت شعري بعد الباب ما الدار. رحم الله وجه أمي وروح أمي ورائحة أمي، رحم الله من كان لها قلب طفل وروح كبيرة بحزنها ويتمها، رحم الله قلباً حمل واحتمل الكثير، رحم الله جسداً لف بالبياض وأردف عليه التراب... ليت من يرفع رأسه ولو لمرة ليسمع ويرى لنقول ما لم نقل ونستذكر ما لم نذكر يوماً نعوذ بالله من الجزع والسخط لكنه قسوة تجتاح الروح ولا سبيل لإيقافها أو التصدي لها، لكننا نسأل الله أن يجبر مُصابنا ويرسل سكينته علينا، وعلى كل من هو مثلنا، اللهم صبرا اللهم صبرا.