تلبس «أبها» حلتها البنفسجية في هذا الوقت من العام، وتعطر أجواءها زخات المطر، ويفرش سماءها بياض الغيوم، ويزين طرقاتها ورد البنفسج، وحدائقها شجر الجاكرندا، وتهيئ نفسها لضيوفها بأبهى حلة، وأجمل لوحة عنوانها «الصيف.. الضيف والمطر والبنفسج». للبنفسج علاقة وطيدة بمعاني الحب والخجل والاحتشام والنقاء، والتواضع والوفاء، وهي الزهرة التي تشمَر عن معاني الزهو والكبرياء، وعلى الرغم من معاني البهجة، فإن زهرة البنفسج تمثل الحزن صورة ومعنى في ازدواجية جعلت شاعر الشعب بيرم التونسي يتساءل بصوت صالح عبدالحي: ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين والعين تتابعك وطبعك محتشم ورزين وفي هذا السياق، استحضر عادات أبو البنفسج «نابليون» الذي ظل مخلصا لهذه الزهرة التي جعلها عنوان حبه لمحبوبته «جوزفين» في حياتها، وأحاط عنقه بقلادة من زهر البنفسج، تعبيرا عن ولائه لها، ثم ختم بها وفاءه بعد موتها بأن نثر تلك الأزهار على قبرها، مما حمل أتباعه ومؤيديه يتخذوها رمزا لقائدهم Le Pere Violet. وفي علم الألوان، يعد البنفسج لونا ملكيا، فهو شديد الندرة في الطبيعة مقارنة مع باقي الألوان، وأول ألوان الطيف المرئي بعد الأشعة الكهرومغناطيسية الضارة مثل أشعة غاما والأشعة السينية، وهو مزيج بين لونين رئيسين (الأزرق والأحمر)، مما يجعل كلفة مزجه عالية على العامة، فأصبح حكرا على السادة وأصحاب النفوذ. وقد ارتداه ملوك مصر الأولون والأسكندر الأكبر. كما تزينت به الملكة إليزابيث في حفل تتويج مهيب، كان البنفسج رونقه وجماله. وفي جانب الرمزية، يعد البنفسج عنوان الثقافة والشرف، فكثير من الجمعيات الثقافية تدور هويتها حول البنفسج، وفي الولاياتالمتحدة يمنح وسام «القلب البنفسجي» للجرحى والقتلى في أثناء تأديتهم العمل كرمز على تحقيقهم أعلى درجات الشرف والتضحية الإنسانية. وللبنفسج تأثير على النفس لا يجهله إلا من فقد حساسيته للألوان والجمال، حيث يشعر من رآه بالراحة والدفء على الرغم من كونه لونا باردا، وهو يبعث في النفس شعورا بالفخامة والأناقة والنبل مصحوبا بالقوة والشغف والتفاني. لا يملك من رآه مقاومة جاذبيته ووقاره، ويأسره ليسرح في عالم التأمل والتفكر والخيال. وفي تحليل الشخصيات، يذكر أن محبي اللون البنفسجي يتمتعون بصفات تضفي عليهم جاذبية خاصة، وكاريزما آسرة، فهم حساسون ولطفاء، مبدعون ومثاليون وكرماء، لهم ذائقة فنية خلاقة، ومخيلة خصبة جذابة، وفوق ذلك لباقة ودماثة وحسن سمت. ويبرز هذا اللون في لوحات أشهر الفنانين العالميين، فهذا منظر السماء يتشرب اللون البنفسجي خلف فستان زوجة «مونيه» وابنه في لوحته الشهيرة adame Monet E Seu Filho (مدام مونيه) الذي انعكس عليهما، ليضفي على اللوحة رونقا وفخامة ممزوجة بدفء المشاعر واللطف. ولوحته المميزة «حديقة الفنانين Le Jardin de l'artiste à Giverny» التي رسمها في «جيفرني» عام 1900 بعد أن تربع على عرش الانطباعيين، وأصبح كل من الموضوع والإحساس والتصوير متطابقة لديه، ليجعل «حديقة الفنانين» تتزين بأزهار الزنبق البنفسجي وسط بحر من الخضرة، وكأنك تشم عبق الزهور بمجرد رؤيتك للوحة. لنتخيل معا لوحة واقعية تحوي جميع الأبعاد التي استعرضناها، سيتبادر لأذهاننا صورة لمدينتنا الباهرة «أبها» التي سحرت مرتاديها وزائريها بجمال طبيعتها ومناخها في فصل الصيف، فهم بين المطر والخضرة وأشجار العرعر والسدر والجاكرندا، وبين ضيافة أهلها الذين طبعوا على الكرم والسخاء وإكرام الضيف. ولطالما اكتسبت هذه المدينة صفات بأقل الأسباب لما حباها الله من مزايا لا تجتمع إلا فيما ندر، فهي مدينة الجبل والوادي، ومدينة الضباب، وهي مدينة الفن والثقافة، وها هي الآن تصبح مدينة البنفسج دون منازع. قليلة هي المدن عبر العالم التي تمتلك مزايا خاصة بها مثل العمران أو التاريخ أو طبيعة السكان أو المناخ، أو اللون السائد بها كما في مدينة «ريوماجيرو» في إيطاليا، و«جايبور» (المدينة الوردية) في الهند، و«سان توريني» في اليونان، و«شفشاون» (المدينة الزرقاء) و«مراكش الحمراء» (المدينة الحمراء) في المغرب، و«تطوان» (المدينة البيضاء)، فلماذا لا تكون أبها«المدينة البنفسجية» وهي تتباهى بهذه الحلة كل صيف، بل لماذا لا تزدان بهذا اللون الآخاذ طيلة العام وتأخذ مكانتها بين مدن العالم؟.