الأسرة السعودية متجذرة بأصالتها، انطلق منها أبطال ورجال دولة، قام على تربيتهم أمهات عظيمات جعلن الدين وقيمه النبيلة دما يجري في عروق أبنائهن وبناتهن، نساء عملن ليل نهار بخدمة أسرهن، رجال تشربت الأرض بقطرات عرقهم ليجعلوا منها نخيلا ونباتا ورياضا خضراء، حملوا الطين والعسيب لبناء مساكنهم، شاركوا أبناءهم بعد يوم من الكد والحصد، وجبة من مكونات أرضهم وما حصدوه خلال يومهم وما طحنته زوجاتهم، جعلوا الجار حارسا مؤتمنا على دارهم، بسط آباؤهم من كبار السن فرشهم أمام منازلهم مرحبين بكل قادم وعابر سبيل يشاركهم قهوتهم وتمرهم، هي تلك الأسرة العريقة التي تزوج أبناؤها بضمان حسن الخلق، مستبعدين عودة بناتهم لأهلهم بورقة طلاق. صفات تم غرسها لتحقيق انسجام متوازن بين أطراف العلاقة أساسها حسن الخلق والتقدير والمحبة للشريك، أبناء وبنات تم الاستثمار بتربيتهم كمكون أسري فريد متجانس بجودة عالية. هذه المنظومة الأسرية بعراقتها والمكون للشعب السعودي، طرأ عليها تبدل ملحوظ، فلم تعد الأساليب والقيم الأصيلة للأجداد والآباء بتجانسها وعمق معانيها تصل من مصادرها الأصلية العريقة بنقائها وجودتها، وإنما أصبح للمعلومة مئات المصادر، وتمر عبر آلاف المنافذ والقنوات مجهولة الهوية مع اتساع فضاءاتها. مجتمعنا اليوم يمر بتحولات تطويرية سريعة بمتغيرات تنموية، أحدثت أثرا واضحا على كافة الأنظمة، وخاصة على البناء الأسري ومساراته ووظائفه الداخلية، والذي أدى لحدوث مشكلات وقضايا أسرية منها ما يتعلق بالجوانب التربوية، وبالعلاقات الأسرية، وقضايا تتعلق باستقرار الأسرة وتحقيق سعادة أفرادها.. إلخ. الوضع الراهن يتطلب تدخلا رسميا لاستحداث مظلة للمنظومة الأسرية تعمل على تغذيتها صحيا واقتصاديا وفكريا وتربويا وتعليميا ونفسيا واجتماعيا، مثلها مثل بقية وزارات الدولة بمجالاتها وأقسامها الإدارية المتفرعة وأنظمتها المختلفة كالاقتصاد، الطاقة، البيئة، التجارة، والتعليم وغيرها. تأسيس وزارة للأسرة وفق منظور شامل مدروس تمتد خدماتها لمختلف مناطق المملكة وتكون مرجعا للأم الحامل، الأم حديثة الولادة وطفلها الرضيع، للمربية، للطالب، للفتاة المقبلة على الزواج، للرجل والمرأة بمختلف مراحل حياتهم إلخ. تعمل تلك الجهة الرسمية على الحفاظ على مكونات الأسرة السعودية وتماسكها وتقوي أواصر العلاقات بين أفرادها، كما ستسهم بتأسيس جيل يدرك مسؤوليته ويحافظ على هويته. منظومة وزارية أسرية يشارك الصغير قبل الكبير في تجسيد مواصفاتها ومهامها وأدوار أفرادها لإعداد نموذج أسري فريد بعراقته وقيمه، وبمواصفات حديثة، تليق بالمكون للشعب السعودي وبتاريخه المشرف وأمجاده العظيمة.