قال محاوري: إنه وقع أخيراً على مقطع تلفازي، فيه حوار مع أحد من وصفهم بالإعلاميين المثقفين التنويريين وذكر اسمه، وقال إن له إسهامات في إدارة بعض الصحف ومراكز البحوث، وقال إنه تحدث في حواره عن حزب الإخوان المسلمين، وأنه لامانع من وصولهم إلى السلطة عن طريق الدين، وأن ذلك ليس بتهمة، بل ذلك هو سبيل الخلفاء وأتباعهم في كل الممالك في الحضارة الإسلامية. فقلت: بغض النظر عن القائل، ما رأيك بقوله إن صحت النسبة إليه؟ فقال: رأيي أن كلامه صحيح ومقنع، وأما نسبة الكلام إليه فصحيحة وأسمعني كلامه بصوته، فما رأيك أنت بكلامه الذي سمعت. فقلت: لا ريب أن الاسلام شامل لكل شيء، كما يدل عليه قوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} وأنه لا يصح عزل الإسلام عن الحياة، وأن الحكم عند المسلمين يكون وفقاً لشريعة الله، ولكن تسييس الدين ليكون تبعاً لأهواء حزب أو جماعة كما هو في شأن التنظيمات التي تتخذ الإسلام وسيلة لمآربها، وتُسميه الإسلام السياسي فهذا باطل. وأما كلام المتحدث هداه الله المتضمن تسويغ اتخاذ حزب الإخوان الدين طريقاً وسلماً للوصول إلى السلطة، واستدلاله بمسلك الخلفاء الراشدين فغير صحيح. فقال: كيف ذلك؟ فقلت: أولاً إن قياسه لمسلك حزب الإخوان المسلمين في اتخاذهم الدين وسيلة للوصول إلى الحكم، بفعل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، قياس مع الفارق، يسميه العلماء "قياس فاسد" فالخلفاء لم يتخذوا الدين وسيلة. ثانيا دعواه مماثلة حزب الإخوان في اتخاذ الدين طريقاً للوصول إلى السلطة، مماثلة ذلك بالشيوعية (وهي عقيدة) التي وصلت إلى السلطة بها، ينفي ما ادعاه من مماثلة حزب الإخوان لمسلك الخلفاء في الوصول إلى الحكم، وأربأ بالمتحدث - وأنا لا أعرفه ولم ألتقه في حياتي - أربأ به أن يماثل مسلك الخلفاء الراشدين بمسلك الشيوعيين في ذلك. فقال محاوري: وضِّح الفرق بين مسلك الخلفاء ومسلك جماعة الإخوان في الحكم. فقلت: حاشا الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان من أئمة وملوك المسلمين، أن يتخذوا الدين وتوحيد رب العالمين، وسيلة إلى الحكم، ثم إذا وصلوا نبذوه وراءهم ظهرياً، كما يفعل حزب الإخوان المسلمين، وغيره من الأحزاب المنتسبة للإسلام. والنقولات عن الخلفاء وملوك الإسلام المحذرة من اتخاذ الدين لمآرب ومغانم دنيوية كثيرة جدا، فلا يصح أن يقال هذا هو مسلك الخلفاء ومن تبعهم من ملوك المسلمين. يقول الملك عبدالعزيز «لم نتخذ التوحيد آلةً لقضاء مآرب شخصية، أو لجر مغنم، وإنما تمسكنا به عن عقيدةٍ وإيمانٍ قوي، ولنجعل كلمة الله هي العليا». فالدين عند أهل الصدق والإخلاص أسمى من أن يتوصلوا به إلى مآرب الدنيا ومناصبها. قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ("باب: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا" وقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون) فالعمل الأخروي من الطاعات والعبادات يُراد بها وجه الله لا الدنيا ومناصبها وحطامها، ومن أراد بها الدنيا فما له في الآخرة من خلاق. ولا يخفى على متخصص ومتابع أن حزب الإخوان لا يُعنون بالدين ولا بالدعوة إلى التوحيد، ولديهم من التلون والكذب ما يخالف الدين الذي أنزله الله على رسوله، وما رفعهم لشعار الدين إلا خداعاً للبسطاء، واستغلالاً لمشاعرهم الدينية، ولذلك إذا وصلوا إلى الحكم ولو يوماً واحداً يرى الجميع سقوط أقنعتهم، ونبذهم الدين وتعاليمه وراء ظهورهم، ففي مصر على سبيل المثال لما وصلوا إلى الحكم ذهب طائفة منهم إلى نظام الخميني وقالوا نستمد منهجنا من الخميني وحسن البنا، لم يقولوا: من كتاب الله وسنة رسوله، فذاك شعار انتهى دوره عندهم. واستقبلوا نظام طهران المعادي للإسلام والمسلمين في مصر، وقال رئيسهم: لا فرق بين العقيدة الإسلامية والعقيدة المسيحية (النصرانية). فكيف يجعل المتحدث - هداه الله - مسلكهم في الوصول إلى الحكم كمسلك الخلفاء؟! إن الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان من ملوك المسلمين، أهل صدق، يرون أن الغاية هي عبادة الله وتحقيق التوحيد الذي هو سبب عزة المسلمين وتآلفهم وجمع كلمتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وليس الغاية عندهم الوصول إلى الحكم باسم الدين كما هو شأن حزب الإخوان الذي ينتهي دور الدين عندهم إذا تحققت غايتهم وهو وصولهم إلى الحكم. ثم من الجناية على البلاد والعباد أن يُتخَذ الدين الذي هو رحمة للعالمين، من الجناية أن يتخذه أي حزب أو جماعة لإيذاء البلاد والعباد، وجعله سيفا مُصلتا ضد من ليس من حزبهم وجماعتهم، كما هو شأن الحركات الحزبية المنتسبة إلى الإسلام، وكأنهم هم الإسلام، ومنهجهم هو الإسلام، ألم يقل حزب الإخوان (الإسلام هو الحل)؟ وكل متابع وراصد يعلم أنهم يعنون بذلك أن (إسلام الإخوان هو الحل)، ومن يقول أنهم يُغلِّبون الولاء الأممي على الولاء الوطني واهم، والواقع: أنهم يُغلّبون الولاء الحزبي، فلا يوالون من الأمة إلا من كان من حزبهم، سواء كان من أهل وطنهم أو خارجه. فقال محاوري: اتضح الفرق العظيم، وأن قياسهم على منهج الخلفاء قياس فاسد. فقلت: أنا أتفهم أن الأحزاب الضالة كالشيوعية واللبرالية والعلمانية وغيرها تتخذ شعارات يرونها جاذبة وخادعة ليصلوا إلى الحكم، وهم بذلك ضالون مضلون، ولكن الفرق بينهم وبين حزب الإخوان، أن حزب الإخوان اعتدى على دين الله تعالى، وجعله مجرد وسيلة، وخدع المسلمين بأعز ما يدينون لله به، ولم يقل أحد من المسلمين - فيما أعلم - إن العقيدة الإسلامية مانعة لوصول المسلم إلى الحكم، كما يدّعي المتحدث في المقطع - هداه الله- لكن الذي يُقال إنه لا يجوز استغلال الدين ليكون مجرد وسيلة إلى الحكم، ينتهي بوصول مُدّعيه إلى الحكم. ولو ترك الإخوان الغش والكذب على الناس باسم الدين، وصرحوا أنهم كالتيارات والأحزاب الأخرى العلمانية واللبرالية ونحوهما، لا يريدون إلا الحكم، لكان أقل ضررا، فالذي يأتيك صريحا يريد الدنيا، ليس كمن يخدعك باسم الدين، وهو كاذب. فقال محاوري: هذا صحيح. فختمت الحديث بقولي: نسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما اختُلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.