لن أتحدث اليوم عن الضمير أو الأخلاقيات أو حتى حُسن التصرف. ما سأتحدث عنه هو الغباء المستفحل لدى بعض. البعض؟! كلا لدى كثيرين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. لم أرتكب أبدا جريمة ولكن إن حدث -لا سمح الله- فلن أكون بغباء من ينشرون ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، غباء مع مرتبة الشرف، إلا إذا كانت عندي رغبة شديدة في أن يتم إلقاء القبض عليّ، من خلال نشر مقطع بمثابة بطاقة دعوة إلى رجال الأمن، ألفت انتباههم خلالها إلى نوع الجريمة، وأرشدهم إلى مكان وجودي. في كل أسبوع -تقريبا- يقدم لنا الأمن العام مقاطع نشرت من قِبل «عبقرينو» وإخوته، تم القبض على ناشريها. أولا، لا أستطيع أن أصف سعادتي وشكري وامتناني ليقظة العيون الساهرة، رجال يعملون ليل نهار، ليس فقط على محاربة الجريمة، ولكن على محاربة المخالفات الأمنية بجميع أنواعها، رجال يضعون أرواحهم على أكفهم، وينطلقون بكل حماس وجدية ومهنية، ولا يتوقفون حتى يتم القبض على كل من تسوّل له نفسه القيام بمثل أعمال كهذه. ولكن، لا بد أنهم يجدون بعض الطرائف خلال عملهم، حين يشاهدون بأعينهم مدى غباء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الأغبياء. الأغبياء الذين يعترفون بتطور التكنولوجيا، ثم يستخدمونها عن جهل. كيف لا يخطر على بالهم أن أدوات تعقب المجرمين، سواء على أرض الواقع أو على الفضاء الافتراضي، قد تطورت كثيرا؟! الإجابة ببساطة لأنهم أغبياء. لقد أطلقت وسائل التواصل الاجتماعي حقبة جديدة من المشاركة الاجتماعية، وعلى أوسع نطاق، مما سمح للمستخدمين بالتواصل مع الأصدقاء والعائلة والمجتمع من جميع أنحاء العالم، يا له من عالم رائع ومثير، جعل من الكرة الأرضية قرية صغيرة ينتقل الخبر من أقصاها إلى أقصاها في ثوان معدودة. ولكن من ارتبط بذلك كله، بل أصبح أقرب للجميع. العيون الساهرة، رجال الأمن والشرطة، فمرحبا بكم أيها الأغبياء في قبضة المحققين المحترفة والمتجددة. اليوم، وعلى رتابة مستمرة، نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي تقدم لنا حسابات جديدة لكثير من هؤلاء الأغبياء، الذين يقفزون إلى الهاوية بأفعالهم، وهم ينشدون التباهي أو زيادة الإعجاب، أو الاستمتاع بانتصارات البالونات الفارغة، فكيف سيشعرون بالزهو والانتفاخ إن لم يعرف أحد عن هذه المغامرات، أليس كذلك؟! أين المتعة إن لم تستطع إخبار الجميع؟! ولهذا، فهم ينشرون ويستمرون في النشر، وكأنهم أبوزيد الهلالي الذي أمسك بالذئب من ذيله، ويغيب عنهم أن من بين الجميع من سيزجّ بهم إلى السجن خلف القضبان، حيث يجب أن يكونوا. لقد تابعت كثيرا من قضايا هؤلاء، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، ودائما أجد سمتين لدى الذين يتم القبض عليهم: الغرور والغباء. سأطلعكم على بعضها من الخارج، بما أن القصص التي حدثت عندنا -ولله الحمد- قد تم القبض على مرتكبيها، ونشرت من قِبل الجهات المختصة. ردّت إحدى المجرمات على إعلان بروفايل لها، أي رسم تقريبي من قِبل المختص في الأمن الجنائي، ولم يعجبها الرسم، فماذا فعل بها غرورها؟ وضعت الصورة على موقعها في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هاها لن تقتربوا حتى من شكلي الأصلي، والرسم لا يفيني حقي»، وطبعا نعرف من ضحك أخيرا!. والثانية، التي أسمت نفسها بملكة التهرب من الضرائب، نشرت صورتها وهي تحمل مبلغا كبيرا من المال وهي تتباهى به، ونعرف أنها الآن تتباهى بلبس السجينات خلف القضبان. أما الغبي الأخير، ضمن القصص التي لا تنتهي، عندما وجد صورته تتداول على وسائل التواصل الاجتماعي مقرونة بطلب أي معلومات عنه، ووجد التفاعل الكبير من الجماهير، دق أخينا الحماس وشارك بالمعلومات!. المغزى هنا، أنني أجد نفسي أحمد الله أحيانا على الغباء بين البشر، فلولا هذا الغباء وهذا الغرور لما استطاع رجال الأمن القبض عليهم، بالطبع لا ننسى أن رجال الأمن أصبحت لديهم الأدوات والتقنيات التي تمكّنهم حتى من القبض على الأذكياء منهم، فلا توجد جريمة كاملة.