عشية الذكرى الخامسة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزير، مقاليد الحكم، نستلهم مسيرة كبرى ومنجزات عظمى، نكاد نكرر وصفها كل عام بالمعجزات التي فاقت مسافة الزمان الذي ولدت فيه، وتجاوزت حجم التوقعات التي ارتسمت لها، لتصنع مسيرة أمة خلّدت بعزم قائدها فخرا، وسطّرت بقدرات أبنائها مجدا. تشرق هذه الذكرى من شرفة التاريخ، فتسطع ألقا، وتنبض مجدا، وتروي قصة ملك حمل أحلام شعبه، وتحمّل همّ أمته، وبرز لدوره العالمي بجدارة، فاستطاع أن يوطّد أركان دولة حديثة، ارتسمت فيها ملامح عصر جديد يتفاعل برؤية مع كل التحولات، ويتناغم بروية مع متطلبات المرحلة، في ظل الثوابت والقيم، في جزء من العالم أكثر تحولا وحراكا، وأعمق أثرا على صعيد السياسة والاقتصاد، وأشد اضطرابا على مستوى الفكر والثقافة، مليء بالنزاعات الطائفية، والجماعات المتطرفة، والحزبيات المتناحرة، لتعيش المملكة العربية السعودية وسط هذا الإقليم بكل ثقة، راسخة المبادئ، قوية التلاحم، واثقة الخطى، لا تنحني أمام عواصف المرجفين، ولا تأبه لتصرفات المغرضين، لتثبت مكانتها الرفيعة في عالم تحكمه المصالح، وتتجاذبه نزعات الهيمنة، فتجعل دورها محوريا يخلق توازنات عادلة، تفرض قيم الاحترام ومبادئ السيادة، وتهبّ لمساندة الشرعية الدولية ومقرراتها العادلة، وتمدّ يدها بسخاء لنصرة المستضعفين، وإعانة المنكوبين، وتجوب أنحاء الأرض بقوافل المساعدات والمعونات الإنسانية، بفضل الله أولا، ثم حكمة القيادة وعظمة المنهج. وامتدادا لعهود زاهرة يستمر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، مؤسسا لنقلة حضارية لا سابق لها على الصعيد الوطني، مستندا إلى مبدأ الشفافية، ومحاربة الفساد، وإرساء قيم المساواة، وإنفاذ أحكام النظام دون أي اعتبارات، وإعلاء معايير العمل والإنجاز، وإطلاق مسارات التنمية الشاملة في كل المجالات، دون استثناء وفق معايير الاستدامة، لتعزيز مكانة المملكة، ودورها العالمي، وتحقيق الأمان لشعبها في كل المجالات: العلمية، والصناعية، والزراعية، والاجتماعية، وتوظيف الطاقات البشرية والمادية، وتنويع الإنتاج، وتمهين اليد الوطنية العاملة، وجذب الاستثمارات، وتوطين رأس المال، ودعم القطاعات الشبابية، وتمكين المرأة من المشاركة في مشروع التنمية، والتعريف بالكنوز الثقافية والتراثية، وإثراء السياحة، وتعزيز دور القطاع الخاص في كل المجالات، والاهتمام بجودة الحياة، وصياغة البرامج الترفيهية المتنوعة لكل الفئات والأذواق والاهتمامات، واستغلال الخصائص البيئية والتاريخية والتراثية لمساحات الوطن ومناطقه المتنوعة لإطلاق المواسم والفعاليات، وتوطين المنافسات والسباقات والرياضات النادرة، ولم تترك اهتمامات هذا العهد الزاهر أي فئة من المجتمع دون عناية أو اهتمام، فقد أنشئت صناديق متخصصة لدعم احتياجات المواطنين، وتحقيق الرفاه، وتهيئة سبل العيش السعيد، فانطلقت برامج حساب المواطن، ودعم معاشات الضمان الاجتماعي، وزيادة المنح المالية للجمعيات والمؤسسات الخيرية، وغير ذلك. واتجهت الاهتمامات نحو صناعة مستقبل الطاقة المتجددة، والتحول إلى بناء منظومة جديدة لتوفير كميات هائلة تصل إلى «200 جيجاواط» خلال 10 سنوات مقبلة، لسد الاحتياج المحلي، وتصدير الفائض -حسب خطة مشروع الطاقة 2030- لتكون بديلا منافسا لصادرات البترول، والاهتمام بالأبحاث والمواهب والاكتشافات في المجالات الحديثة، واستثمارها في خدمة الإنسان، وإسعاد البشرية، ولن ينتهي بنا الحديث عن التحولات الكبرى، المتنامية دون توقف في كل أجزاء الوطن. أما على الصعيد العالمي، فقد ولدت حقبة جديدة، تعتمد على الثقة، والمنافسة، والشراكات الفاعلة، والانفتاح على كل القوى الاقتصادية، والتأثير على مؤشرات النماء العالمي، بما تملكه من إمكانات، وثروات، وقدرات، استطاعت المملكة خلالها أن تخوض المنافسة بين الأقطاب العالمية الأعلى تأثيرا، ولم تكتف بالمنافسة، فقد اعتلت هرم قيادة مجموعة العشرين، وتربعت على عرش الكبار، وكل الأنظار ترقب قمة «2020» لتعلن السيادة على نادي الاقتصاد العالمي، وتحقيق النجاح التنموي المستدام، وتعزيز الثقة في منظومة المال، وبيئة العمل والاستثمار. وفي المجال العسكري وموازين القوى، فالمملكة حليف إستراتيجي لكل الدول التي تنشد السلم والاستقرار، وتدافع عنه، وتقود التحالفات الدولية لإرساء دعائمه، وتسهم بفاعلية في حفظ السلام العالمي، وحماية المصالح الدولية، وتأمين الممرات والمنشآت الحيوية، وستبقى رائدة في دعم الاستقرار والأمن والسلم العالمي، بفعل سياسة متوازنة تنظر للمستقبل البعيد بكل آفاقه الإنسانية ومشتركات تعايش الجنس البشري. ولكل ما تحقق وما سيتحقق -بإذن الله- وفاء شعب يحب قائده كما يحبه القائد، وولاءٌ وعهدٌ وعزيمةٌ ومضاءٌ مستمد من عقيدة راسخة، وبيعة علّقت في الذمم والأعناق، تزيد رسوخا في ذكرى البيعة المجيدة، مؤمنين بأنها سيرة خالدة، وليست ذكري عابرة، فهي ثابتة في ذاكرتنا نمر بها كل يوم، ونقف أمام تجديدها كل عام إجلالا وإكبارا ومهابة لملك بنى للمستقبل وطنا، وصنع للمجد أمة، وطال بشعبه هامة العز، واعتلى قمة الأمجاد والمفاخر.