يعد علم العلاقات العامة من العلوم الإنسانية الاجتماعية الحديثة، حيث أسس علم العلاقات العامة في عصرنا الحديث العالم الأميركي إدوارد بيرنايس، حتى تطورَ مفهوم ومهام العلاقات العامة في وقتنا الحالي. وكممارسةٍ للعلاقات العامة، فقد وثقَ المؤرخون استخدامات للعلاقات العامة التقليدية منذ العصور الأولى في الحروب، ومن الأمثلة على ذلك إظهار النفوذ والقوة في العصر الفرعوني في مصر من خلال بناء الأهرامات. وسنلخّص في هذا المقال ما طرحهُ المفكر والدبلوماسي والفيلسوف الإيطالي «نيكولو ميكافيلي» في القرن السادس عشر من نظريات ومفاهيم تنويرية في علم السياسة والعلاقات العامة وتفسير سلوكيات الأشخاص والعلاقات الاجتماعية، وقد استفاد من أفكار وآراء مكيافيلي الكثيرُ من القادة السياسيين في عصر النهضة الأوروبية وما بعدها، حتى شُرحت نظرياته في القرن العشرين، وطُبقت في أساليب السياسات العامة الحديثة. وكانت ولا زالت أفكار وتوجهات ميكافيلي محل نقاش ورفض واتفاق، حيث يراها البعض غير نزيهة وغير أخلاقية، ولكن قد أثبتت نجاحها في بيئات سياسية مختلفة. وسألخص في هذا المقال بعض القيم التي طرحها ميكافيلي، ومن الممكن أن تكون ملائمة في وقتنا الحالي لممارسة العلاقات العامة. من أهم القيم التي آمنَ بها ميكافيلي مفهوم الواقعية والتواصل والتعايش مع الجمهور، حيث قال إنه يجب على القائد أن يعيش مع رعاياه ليتمكن من معرفة المشاكل، ويكون قادراً على تعقبها والقضاء عليها، وتتضمن الواقعية الاعتراف بوجود المشاكل عند اكتشافها، والعمل على القضاء عليها، وأن يكون هناك ردود فعل وإلا ستتفاقم المشكلة وسيكون من الصعب احتواؤها، ويمكن تفسير ذلك في ممارسة العلاقات العامة في تعزيز عملية التواصل ذات الاتجاهين، والاستماع للجمهور، وأخذ ملاحظاتهم وإعطائهم الفرصة لإبداء آرائهم بشفافية، والعمل على تقويم الأوضاع بالتغذية الراجعة. ومن المبادئ أيضاً التي كتبَ عنها ميكافيلي في كتابه، عدم الإيمان بالحظ والاستعداد لما هو أسوا، والعمل على تدارك العقبات المستقبلية أو كما يُسمى في ممارساتنا في إدارة العلاقات العامة، محاكاة الواقع وطرح الأزمات وإيجاد الطرق المتاحة لحلها وجعل من الأزمة فرصة. كما أكد ميكافيلي على السمعة والصورة الذهنية القوية لدى الجمهور ورسم إستراتيجية لذلك باستخدام جميع وسائل القوة المتاحة، وحثَّ على ضرورة إظهار السيطرة على المشكلة للتأثير على الجمهور إيجاباً وكسب ثقتهم كمعيار أساسي للنجاح. ومن النصائح المهمة لميكافيلي مقولته: «قبل كل شيء حاول أن تكسب محبة الناس». ومع ذكره أنه من المستحيل جعلُ الجميعِ سعداء وودودين معك، ولكن في المقابل من الصعب أن تخسر قضية ما وغالبية الجمهور يقف في صفك ويؤمن بك، وذلك يعزز أهمية ولاء الجمهور والحاجة لهم. كما حث على مكافأة الجمهور القوي والداعم والمؤثر واحتوائه. ومن المبادئ التي ذكرها ميكافيلي، التعاون مع الأطراف المحايدة؛ لكسب ودهم وكذلك لأجل الحصول على جمهور جديد بأقل تكلفة، وذلك بمعرفة احتياجات الناس وتقديم المساعدة والخير لهم، ويمكن ذلك في ممارستنا للعلاقات العامة الحديثة من خلال تعزيز مبادرات المسؤولية المجتمعية، وتعريف الناس بالدور الفاعل في المجتمع. كما أكد ميكافيلي على أهمية التحلي بالفضائل وتبنيها كالكرم والحكمة والرفق والمودة والاعتدال، وحذّر من الصفات الغريبة وغير المحببة، وبالتالي يتحتم أن تكون رؤية ورسالة وأهداف العلاقات العامة نابعة من الفضيلة، إضافة إلى كونها متماشية مع الأعراف والتقاليد المجتمعية في أي بلد لتكون فاعلة ومؤثرة فيه. ومن أهم مبادئ التي ذكرها ميكافيلي في العلاقات العامة، تشكيل الرأي العام، حيث يوضح أنه إذا لم تكسب الرأي العام لصالحك فسيقوم بذلك طرف آخر وسيكون الرأي العام مضاداً، وقد ذكر الحاجة إلى العلاقات العامة كأساس لنجاح أي عمل باختلافه، حيث إن العلاقات العامة تُمارس دورا اتصاليا قويا ومؤثرا إما مباشراً أو من خلال تمرير الرسائل عن طريق الجمهور المؤثر والقوي والداعم؛ لأجل كسب السمعة وتشكيل الصورة الذهنية التي من خلالها تكسب الرأي العام. كما تحدث ميكافيلي عن مشاركة القوة مع أطراف أخرى من أجل تحقيق المصلحة العامة أو ما يسمى لممارسي العلاقات العامة في بيئة الأعمال بالتعاون التنافسي أو العلاقات الاستثمارية بين المنظمات من أجل تخفيض الربح وتحقيق المصالح المشتركة. وأخيراً عزز ميكافيلي عنصر المفاجأة في مبادئه، حيث أكد على أهمية التوسع وصنع التحالفات وتحقيق الإنجازات، لذلك يعمل ممارسو العلاقات العامة على كسب ولاء الجمهور وتوسيع نطاقه باستمرار.