أكدت مسؤولة الرعاية الاجتماعية والباحثة الاجتماعية بسجون الرياض مها الدوسري أن العمل في السجون له قيمة إنسانية لا يدركها إلا من يعمل بها، فالجو الذي يسود العمل في سجون النساء عادة ما يشمله الرحمة والعطف، مشيرة إلى أن العمل بالسجن ومساعدة السجينات يعطي جوانب أخرى للباحثات الاجتماعيات من خلال المقدرة على حل المشكلات والتعامل معها بروية. وأضافت الدوسري إن عملها كباحثة اجتماعية في السجون الخاصة بالنساء صقل من شخصيتها، وأعطاها بعد نظر في حل المشكلات دون تضخيم، مضيفة أن العمل داخل السجون النسائية يجعل المرأة العاملة أكثر حرصا على اختيار الصديقات، سواء لها أو لأبنائها وبناتها، وخاصة من خلال تعايشها مع مشكلات هولاء السجينات، مبينة أن العمل كباحثة أو غيره في سجون النساء يعتبر خدمة للوطن. وقالت إن مساعدة السجينات وإخراجهن من عالم الجريمة، وتقبلهن وفتح آفاق الحياة بصورة جديدة لهن يبدأ من السجن نفسه، حيث يقع على عاتق العاملات في السجن تهيئة هؤلاء السجينات للعودة إلى الحياة مرة أخرى، بعيدا عن عالم الجريمة، فقد تكون هناك ظروف معينة قد أجبرت السجينة على ارتكاب أي نوع من الجرائم. وذكرت الدوسري أن مد يد العون لهؤلاء السجينات يقلل من الانحراف في المجتمع، ويحقق الأمان في الأسرة، وهذا ينعكس على المجتمع بصورة كاملة. وقالت "إذا استطعنا أن نأخذ بيد السجينة إلى بر الأمان بحيث يتم استيعابها وتقبلها سواء داخل أو خارج السجن، فسوف تقل الجريمة والانحراف، وبالتالي سوف ينعكس ذلك على سلوكيات المربين والمربيات مع أبنائهم وبناتهم ويتمكنون من حماية أبنائهم من المخاطر". وأضافت أن "المجتمع بأكمله يحتاج إلى تكثيف برامج التوعية بضرورة تقبل هؤلاء السجينات، وفتح آفاق أخرى جديدة لهن بعد خروجهن من السجن، مشيرة إلى أن الأسرة أيضا تحتاج إلى توعية أفرادها بكيفية التعامل مع السجناء والسجينات، وكيف يتم تقبلهم بعد الخروج من السجن. وأوضحت الباحثة الاجتماعية أن "السجينات يواجهن آلاما متعددة حينما يخرجن إلى الحياة، فالمجتمع يرفضهن، والأسر كذلك، وإذا كان ذلك ديدن المجتمع والأسرة، فكيف ننهض بهولاء السجينات، وكيف يمكن احتواؤهن حتى لا يعدن مرة أخرى إلى السجن". وقال الأستاذ في قسم علم النفس بجامعة أم القرى الدكتور إلهامي عبدالعزيز إمام إن عملية تأهيل السجينات يكون من أكثر من جانب، ومنها جانب العمل والأداء فلا بد من تهيئة السجينة كامرأة منتجة قادرة على سد احتياجات نفسها، وخاصة إذا لم يكن لها من يعولها، مضيفا أن تأهيل للسجينات يكون بحسب ظروف الجريمة التي ارتكبتها، فالتأهيل الشخصي ضروري جدا لها، حيث إن المجتمع لن ينسى لها ما قامت به إلا إذا نسيت السجينة نفسها السلوك الأول الذي أدخلها السجن. وأشار إلى أنه ينبغي ألا نرمي المجتمع بالتهم في عدم تقبل هؤلاء السجناء، بل لابد أن يدرك هؤلاء السجينات أن طريقة التعامل مع الأفراد والمجتمع هي التي تجعل المجتمع ينسى أو يتذكر ما قامت به. وأضاف الدكتور إلهامي أنه ينبغي الحديث مع المجتمع المحيط بالسجينة في الأسرة، وذلك من خلال المحاضرات الإرشادية ورجال الدين، ومن ثم تستقبلها الأسرة وكأنها ولدت من جديد، ثم يكون الحديث مع المجتمع الأكبر بصورة أكثر وعيا. وذكر أن تقبل المجتمع والأسرة يقع الجزء الأكبر منه على السجينة نفسها، فكلما كانت هذه السجينة أكثر قوة من جانب البناء النفسي، كانت أكثر قدرة على التعامل والتكيف مع الآخرين. وشدد أستاذ علم النفس على ضرورة التمهيد المسبق للسجينة بالسجن من ناحية التأهيل للعمل ونحو ذلك، فالمجتمع يتقبل المنتج بصورة سريعة والقادر على حل مشاكله بنفسه، والمجتمع حينما ننظر إليه نظرة فاحصة، نجد أنه لا يتقبل الإنسان الذي لا يعمل، حتى ولو لم يدخل عالم السجن. وأكد الدكتور إلهامي أن الجلسات الإرشادية والتأهلية للسجينات لها مفعول السحر في التكيف والتعامل مع المجتمع بكل أطيافه، وخاصة إذا اعترفت هؤلاء السجينات بقوة أنهن أخطأن، وينبغي ألا يقع غيرهن في هذا الخطأ.