* 18 فبراير/ شباط 2024 من جزيرة صغيرة في بحيرة البندقية، صمم رجلٌ في القرن الخامس عشر بطريقة ما مخططا دقيقا ومدهشا للعالم. وفي أيامنا هذه تُعرض في الطابق الثاني بمكتبة القديس مرقس في فينيسيا، تلك الخريطة التي تشغل حجرة بأكملها، نظرا لأهميتها التاريخية، وهي مربعة الشكل ويصل طول ضلعها الواحد إلى مترين وأربعين سنتيمترا. اكتلمت الخريطة في عام 1459، وعرفت باسم "مابا موندي" وضمت كل المعارف الجغرافية المتاحة في ذلك الوقت، ويمكن اعتبارها أعظم الخرائط التي رسمت في العصور الوسطى على الإطلاق. وتعد مساحة الخريطة ضعف مساحة الخريطة الشهيرة "مابا موندي هيرفورد – من عام 1300 ميلادي تقريبا"، والتي تضم أوروبا وآسيا وإفريقيا، ورسمها الكاهن فرا ماورو، والذي كان يعيش في جزيرة "سان ميكيل"، الواقعة قرب فينيسيا (البندقية). ورغم أن الكاهن لم يخرج من فينيسيا في حياته، إلا أن الخريطة التي رسمها تتسم بدقة عالية في تصوير المدن، والمقاطعات والأنهار، وبالطبع لا وجود لأمريكا لأنها لم تكن قد اكتشفت بعد. إذ بدأ كريستوفر كولومبوس رحلته الاستكشافية بعد 33 عاما من رسم الخريطة. وفي حين لم تكن أستراليا موجودة، فإن اليابان تظهر في الخريطة، وسماها ماورو "سيبانغو"، وكانت هذه أول خريطة غربية تظهر اليابان، كذلك تم رسم القارة الإفريقية بدقة عالية بما يوضّح قابلية الإبحار حولها، وذلك قبل وقت طويل من قيام البرتغاليين بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في عام 1488. ينما كانت خريطة هيرفورد تصوّر الجنة والنار وكانت مصممة لتكون ملخصا للمعرفة من منظور روحاني، إلا أن ماورو اتبع أسلوبا علميا في رسم خريطته، وقال "سأتأكد من الكلمات بالخبرات العملية، وسأحقق لسنوات طويلة وأسأل الأشخاص الثقات الذين شاهدوا بأعينهم ما أرسمه هنا". لكن هناك ما يتعدى التاريخ والعلم، فأهم صفة في الخريطة، والتي تخطف عينيك مباشرة، بعد صعود الدرج الرخامي، في المكتبة التي تعرض العديد من القطع التاريخية، إنها روعة الخريطة بكل بساطة. * الحضارة المصرية: كيف ساعدت اللغة القبطية شامبليون في معرفة أسرار الكتابة "الهيروغليفية"؟ يقول المؤرخ بيرالفيز زورزي "الخريطة الضخمة، رسمت بشكل رائع وجميل"، فبغض النظر عن حدود القارات والدول، قام فرا ماورو، برسم القصور الرائعة، باللونين الذهبي والأزرق، وكذلك رسم الجسور، والسفن المبحرة، وسط الأمواج الزرقاء، وبعض المخلوقات البحرية، كما كتب 3 آلاف صفحة باللغة الفينيسية القديمة تروي الأساطير والحكايات القديمة. على سبيل المثال توضح الصفحة الخاصة بالنرويج، كيف نجا البحار الفينيسي، بيترو كويريني بعد تحطم سفيته، كما تقول الأسطورة، وتقول القصة إنه لم ينجُ فحسب من الحادث، بل جلب معه سمك القد المجفف إلى بلاده، بادئا بذلك شغف الفينيسيين ب "البَكلاَة" (السمك المجفف الذي يمكن العثور عليه في كل مطعم هناك).