في هذه السطور محاولة لمقارنة الواقع العلمي والفكري والإنتاجي بين أهل التكتلات الدينية المختلفة في عالم اليوم، ولا علاقة لها بالماضي ونقولاته التاريخية التي يكذب بعضها البعض. عندما نبحث عن أهل الديانة الأكثر انتقاداً لنصوص وطقوس أهل الديانات الأخرى والأشد حرصاً على هداية وصلاح غيرهم تكون الإجابة جاهزة: إنهم المحسوبون على أهل الديار الإسلامية. لا اليهود والنصارى ولا البوذية أو الهندوس يهمهم كيف ولمن يتعبد غيرهم ولا أين يذهبون بعد الممات.ثم وعندما نبحث بين أهل الديانات المختلفة مرة أخرى عن تلك التي أهلها فيما بينهم هم الأكثر أمية علمية وتقنية فكرية والأشد تخلفاً في الالتزام بالقوانين وتطبيق العدالة الشرعية تكون الإجابة هي نفسها السابقة: إنهم المحسوبون حالياً على ديار الإسلام. ولأن هذه المفارقة الغرائبية بين التشدق بالأفضلية مع التخلف في شؤون الحياة مقابل كل الأمم فإنها (ولأنها مفارقة للعقل) أنجبت مفارقة أشد منها غرابة. بناء عليه دعونا نستمر في التنقيب ونبحث هذه المرة عن أصحاب الديانة الأشد حرصاً على التعريض بمكوناتها الخاصة في داخل تنوعاتها المذهبية ومدارسها الفقهية والأدق تمحيصاً في تصنيفات فرقها الناجية أو الضالة ومن هم أهل الجنة والنار، فيا ترى ماذا نجد في نهاية البحث؟ سنجد داخل نفس الانتماء إلى الأمة الواحدة أعداداً وأنواعاً كثيرة تحتكر كل واحدة لنفسها رضا الله وملائكته ورسله، ليتبلور من ذلك واقع اجتماعي مدمر. الفرقتان الأهم تأثيراً في تاريخ ديار الإسلام ومنذ البداية اختارتا تسميات ذات ثقل سياسي افتراقي تمايزي، فأولئك يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة، وأولئك اتخذوا مسمى أهل البيت الهاشمي النبوي. واضح أن التسميتين التصنيفيتين تحمل كل واحدة بداخلها الإيحاء باحتكار الإسلام الصحيح ورضا الله والجنة وتترك للآخرين غضب الله والجحيم الأبدي. عندما تسمح الظروف السياسية بالهدوء والتعايش يسود السلام الاجتماعي والتقبل المرحلي بين أهل البيت وأهل السنة والجماعة. لكن مع كل خضة سياسية فئوية يقفز تصنيف آخر ليقال هؤلاء جماعة علي والحسين وأولئك جماعة معاوية ويزيد. لا علم عندي عن ذلك السياسي أو الفقيه الذي قذف بهذه التسميات اللئيمة أول مرة بين الجموع، ولكنه بالتأكيد سمم مياه البئر المشتركة التي وجدت ليشرب منها الجميع. لا أستطيع وصف انزعاجي عند سماع أو قراءة الملاسنات الانتهازية اللئيمة في الفضائيات أو الشبكة العنكبوتية، من قبيل آل البيت مقابل آل يزيد، أو روافض مقابل نواصب. أعلم عن قناعة تاريخية ومعرفية كذب وانتهازية السياسي والفقيه المسيس وأنهما يزايدان ويتاجران بولاء الجموع الغافلة المستغفلة الغارقة في الفقر والبؤس. وكلام أخير: إن اجترار التنابز بمسميات إيحائية مثل جماعة علي والحسين وجماعة معاوية ويزيد غباء مدمر للفاعل والمفعول به، ويبقى واقع الحال الفاعل وهو أن الجميع هم الأشد بين الأمم تخلفاً في العلوم والفكر والتقنيات، وأنهم دينياً ينتسبون إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وخلقياً إلى الأسرة البشرية، ولكنهم كانوا وما زالوا ملعوباً عليهم وملعوباً بهم. نقلا عن عكاظ