تبدأ التجمعات السكانية صغيرة ثم لا تلبث مع مرور الوقت وتزايد أعداد السكان أن تصبح مدنا متوسطة الحجم ثم مع التمدد العمراني سواء التمدد الأفقي أو الرأسي، تتحول إلى مدن صاخبة تتعقد معها الحياة ويفقد حينها مرتكز أساسي تسعى إليه جميع الدول وتؤكد أهميته المنظمات الدولية، وهو "جودة الحياة" quality of life، ويرمز له بالرمز QOL، الذي تعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه إدراك الفرد لوضعه المعيشي في سياق أنظمة الثقافة والقيم في المجتمع الذي يعيش فيه وعلاقة هذا الإدراك بأهدافه وتوقعاته ومستوى اهتمامه. وهو مفهوم واسع متعدد الأبعاد سواء تلك المرتبطة بالإنسان فيما يتعلق بصحته، أو وضعه الاجتماعي، أو الوظيفي، أو الاقتصادي، ولذا تعد جودة الحياة مقياسا مهما للسعادة. ويتم تقييمه من خلال عدد من المؤشرات، ومن الملاحظ أن الزيادة المتسارعة للسكان في المدن وتمددها في كل اتجاه جعلت من الصعب على الجهات الخدمية كالبلديات والمؤسسات التعليمية والصحية، متابعة هذا التوسع السريع وتحقيق الرضا للسكان في هذه الجوانب. وبالنظر إلى المحور الأول من المحاور الثلاثة لرؤية المملكة 2030 المتعلق بالمجتمع، نجد أنه قد تم التأكيد فيه على أهمية أن يعيش المجتمع في بيئة إيجابية وجاذبة تتوافر فيها مقومات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين. لقد كانت تجربة بعض الدول ناجحة حين قامت ببناء ضواح مثالية تتوافر فيها جميع المقومات التي تشجع الأفراد على الانتقال إليها والعمل فيها. إن تخفيف الضغط السكاني في المدن الكبيرة يقلل من المشكلات البيئية خاصة المتعلقة بالتلوث وما يتبعه من أضرار صحية ونفسية، كما يحد من مشكلات النقل والازدحام المروري ومن المشكلات التنظيمية المتعلقة بأسعار الأراضي والمنازل، فضلا من المشكلات الاجتماعية الناجمة عن اختلاف الثقافات وضعف العلاقة بين الأفراد. كما يلعب دورا مهما في تحقيق الرضا الاجتماعي. وقد كشفت دراسة أعدها المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية INED أن نصف سكان العالم يعيشون الآن في المدن. إن بلدا كبيرا كالمملكة تتيح له مساحته الواسعة أن يتم فيه تطوير الضواحي والأرياف المحيطة بالمدن لتكون روافد اقتصادية من الممكن أن ينقل إليها كثير مما تكتظ به المدن كالشركات الكبيرة والوزارات وبعض الجامعات، والمعاهد، والمستشفيات، وغيرها. إنه لمن المؤمل أن تكون مثل هذه الضواحي عناصر جذب ونماذج لحياة عصرية جميلة تتوافق مع رؤية المملكة 2030 في مستهدفاتها لجودة الحياة. نقلا عن الاقتصادية