وثق أحد المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، مشهد فيديو يظهر فيه مبنى تحت الإنشاء في محافظة محايل عسير، حيث تم الاعتداء على خطوط الشبكة الكهربائية من قبل صاحب المبنى بشكل خطير بسبب دخول أسلاك الضغط العالي من أحد جوانب المبنى لتخرج من الجهة المقابلة، وذلك في ظل صمت الجهات المعنية عن هذه المخالفة الجسيمة!. وبعد انتشار مقطع الفيديو بين الناس وتساؤلهم عن المتسبب في هذه القضية وعن دور البلدية وشركة الكهرباء في هذا الموضوع، خرجت بعض الجهات الحكومية من صمتها والإعلان عن إحالة المواطن المتعدي على خطوط الكهرباء إلى التحقيق، بالإضافة إلى عزل الشبكة الكهربائية وإيقاف صاحب المبنى عن البناء فوراً، والقيام بالإزالة بالتنسيق مع محافظ محايل عسير والدفاع المدني وتعديل مسار الشبكة حرصاً على أمن وسلامة السكان. والغريب في الأمر أيضاً أنه تمت إحالة مصور الفيديو إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لمعاملته بنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وذلك لأنه «أثار الرأي العام ولم يسلك الطرق النظامية، فالبلدية لديها رقم مجاني 940 وهيئة مكافحة الفساد لديها رقم مجاني وشركة الكهرباء» !، وهنا أتساءل: متى كانت الرقابة الاجتماعية مخالفة للأنظمة ومثيرة للرأي العام؟ بالرغم من أن تصوير ذلك المشهد لا يعتبر جريمة إلكترونية وإنما هي ملاحظات بشأن أمر عام يهم المواطنين جميعاً، كما أن المقطع حقيقي وواقع فعلاً، فكيف يتم إحالة المصور إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وبأي تهمة؟ بالإضافة إلى ما سبق، هل تم إحالة المسؤولين في البلدية وشركة الكهرباء إلى هيئة التحقيق والادعاء العام مثل ما تم إحالة المواطن المصور؟ فالمشكلة الحقيقية تكمن في سبب عدم كشف تلك المخالفة الجسيمة، فتلك الجهات لم تتحرك إلا بعد انتشار الفيديو كما ذكر آنفاً.. وعليه هل يتم نشر نتائج التحقيق علناً وذلك تطبيقاً لمبدأ الشفافية، أم أن تلك النتائج ستظل حبيسة في أدراج مكاتب البيروقراطية، ويتم التشهير فقط بالمصور؟ فمقطع الفيديو في الحقيقة يضع أكثر من علامة استفهام حول آليات الرقابة في البلديات والكهرباء، وهذا ما يفترض تسليط الضوء عليه. للأسف الشديد تحاول البيروقراطية في الغالب عند كشف قصورها أو مخالفاتها التنصل والهروب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين، وليس هذا وحسب بل تعمد في بعض الأحيان إلى التخويف والتضييق على من يحاول نقدها أو كشف قصور أدائها، فعند انتقاد الجهات الحكومية، يكون الرد قاسياً بأن ذلك يخالف الواقع ويشوش على الرأي العام ويضر بالمصلحة العامة، بينما ما يكتبونه وما ينشرونه من معلومات مضللة وخاطئة يعد ممارسة إدارية نزيهة وفي صالح المواطنين والمجتمع! لقد نسي بعض البيروقراطيين أن كثيرا من الناس ما عادت تخدعهم تلك الأساليب، وأي متتبع فاحص لما تقوم به مثل هذه الجهات يدرك دون عناء، تدني إنتاجها وأدائها، وانحدار مستواها، وأي مسؤول يقوم بمثل هذه الممارسات وهذه الدعايات المضللة فإنه يقدم صورة سيئة عن الجهة التي يعمل بها، على عكس ما يراد منها تماما. يعتبر المواطن هو الرقيب الأول على أداء الجهات الحكومية ومن هنا تنشأ أهمية الرقابة الاجتماعية والتي لم تغب عن الحكومة السعودية، فقد أنشأت مجلس الشورى ومجالس المناطق المحلية والبلدية لتكون حلقة وصل بين المواطن والجهات الحكومية، وعلى هذا الأساس تقتضي الرقابة الاجتماعية تفعيل دور هذه المجالس بإعطائها صلاحيات أكثر وإعادة هيكلتها لتؤدي دورها على الشكل المطلوب، وبالتالي فإن المواطن هو المحور المركزي لهذه المجالس وخاصة في ظل ارتفاع نسبة التعليم بين المواطنين وارتفاع الوعي الاجتماعي. لقد أخطأ بعض المسؤولين عندما أوصوا بإحالة المواطن الذي صور ذلك المبنى إلى التحقيق بدلاً من تكريمه وشكره على أداء واجبه الوطني، فتصوير ذلك المشهد يعتبر نوعاً من الرقابة على أداء الجهات الحكومية، وهناك ممارسات إيجابية من بعض الجهات الحكومية في هذا المجال، ومن ذلك على سبيل المثال موقع الدفاع المدني في «تويتر» الذي يستقبل شكاوى المواطنين، وتقوم إدارة الحساب بالرد عليهم علناً وبالصور أيضاً في كيفية التعامل مع المشكلة، فلماذا لا تستفيد الجهات الحكومية الأخرى من هذه التجربة؟ وعلى هذا الأساس، تعد الرقابة الاجتماعية العين الساهرة على عمل ونشاط الجهات الحكومية لما فيه خدمة المصلحة العامة، وإن من أهم الأهداف الرئيسة للرقابة الاجتماعية: العمل على محاربة الفساد المالي والإداري، والتطبيق الصارم للأنظمة والقوانين واحترامها، وعدم الالتفاف عليها ومحاسبة المخالفين والمفسدين. أما العوامل التي تساعد على نجاح الأداء الحكومي فهي تكمن في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واعتماد المعايير العلمية والموضوعية، وفي مقدمة ذلك: التخصص والكفاءة والنزاهة، وهذا سوف يساعد على محاربة الفساد وبكل إشكاله ومصادره، ويضعف البيروقراطية الإدارية، فالفساد والبيروقراطية هما وجهان لعملة واحدة. ليست الجهات الرقابية الرسمية هي المسؤولة والمختصة في كشف الفساد وحسب، وإنما المواطن أيضا مسؤول ومختص عن كشفه، فإذا كنّا نطالب بوجود ضوابط لكشف الفساد، فمن الضروري أيضا وجود ضوابط للتنبيه عنه بأي وسيلة كانت نقلا عن الوطن السعودية