ليس لنا أن نفاضل بين الأوامر الملكية التي استهدفت النهوض بالمستوى المعيشي لشرائح مختلفة من المجتمع سواء بالدعم المباشر أو توفير الفرص الوظيفية أو حل مشكلة الإسكان غير أن لنا أن نعتبر الأمر بإنشاء مجمع سعودي للفقه من أهم هذه الأوامر وأكثرها تأثيرا في مستقبل الوطن؛ لما سوف يناط بهذا المجمع من مسائل ظلت مناط الاختلاف والاجتهاد بين العلماء. وكما شكل الخلاف حول هذه المسائل في جانبه المتشدد حماية للأمة من الوقوع في دائرة الخطأ والإثم، فقد شكل كذلك إرباكا لكثير من المشاريع حين تحولت بعض الفتاوى والآراء والاجتهادات إلى حجر عثرة حال دون حل كثير من القضايا المتعثرة. كما أنه ليس لنا أن نستبق الهيكلة التي سوف ينتظم عمل المجمع بناء عليها، فالقائمون على أمور الفقه أدرى بما يمكن أن يعينهم على عملهم، غير أن لنا أن نتطلع إلى أن يكون هذه المجمع مدعوما بهيئات علمية متخصصة في مختلف التخصصات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية يستعان بها لتفهم طبيعة المسائل المطروحة وخاصة تلك القضايا المتعلقة بالأمور المستجدة في الحياة مما يجعل الحاجة إلى فقه الواقع ضرورة دينية وحضارية لا غنى عنها. وعلى الرغم من أن المجمع الفقهي سوف يكون مجمعا سعوديا، إلا أن الاستفادة من تجارب الدول الإسلامية في العمل المؤسساتي الفقهي سوف تمكن المجمع من تجاوز مرحلة التأسيس والدخول الفعلي لعمل يتجاوب مع الحاجة الملحة التي تفرضها القضايا الهامة والتي سبق لمجامع إسلامية أن تعاملت معها. ولعلنا لسنا بحاجة إلى أننا مطمئنون إلى أن المجمع الفقهي السعودي سوف يكون منفتحا على المذاهب الأربعة جاعلا من اختلاف العلماء رحمة بأيهم اقتدينا اهتدينا ويكون ما ينتهي إليه اجتهاد القائمين على المجمع في كل مسألة يدرسونها محصلة لما يرونه أصلح للأمة من بين هذه المذاهب. ثمة قضايا كثيرة تنتظر المجمع الفقهي السعودي باعتباره سيكون المرجعية التي يناط بها الاجتهاد في تبيان ما يمكن أن يشكل رأي الشرع في المستجدات التي طرأت وللمجمع الأسوة في علمائنا الأوائل الذين فتحوا باب الاستحسان وإعمال العقل لكي يوفقوا بين حاجات العصر وأحكام الفقه فلم يجعلوا من حاجات العصر سببا لفوضى الأحكام ولم يجعلوا من أحكام الفقه حجرا على باب العصر. نقلا عن عكاظ