لأول مرة في تاريخ الإنترنت القصير، قامت مصر بقطع الاتصال بالإنترنت بشكل كامل عن مختلف أرجاء الدولة، وشمل ذلك المرافق الحيوية كالبنوك وخطوط الطيران، كما شمل قطع الإنترنت عن أي موقع تتم استضافته في مصر بما في ذلك مواقع الحكومة المصرية والمواقع الإخبارية. أيضا قامت مصر لأول مرة كذلك بقطع خدمات الاتصالات عبر الموبايل يوم الجمعة الماضي، لتعيد الجمهور من خلال قرار حكومي واحد إلى الطريقة التي كان يعيش بها الناس في أوائل التسعينيات الميلادية. كان هذا رد فعل حكومي حاد ضد الإمكانيات التي تمنحها وسائل التكنولوجيا الرقمية للجماهير في التواصل مع بعضها وتنظيم حشودها ونقل الرسائل والصور والفيديوهات، ولكن هذا الإجراء لقي أيضا معارضة كبرى من العالم المتقدم، وكان محور حديث الزعماء الأوروبيين والرئيس الأمريكي والصحف الغربية بشكل مكثف، كما كانت محور نقد قاس موجه من العالم المتقدم إلى مصر وذلك لسببين رئيسيين: الأول أن العالم صار يعتبر الإنترنت والاتصالات حق من حقوق الإنسان الرئيسية، حتى أن بعض الأدبيات السياسية الحديثة تعتبر هذا الحق على قائمة حقوق الإنسان، وذلك لأن حق الاتصال عبر التكنولوجيا يشمل حق التعبير وحق تكوين التجمعات، كما أن هناك مصطلحات نشأت مثل ''الديمقراطية الرقمية'' و''الديمقراطية المفتوحة'' والتي تعتبر الإنترنت ركنا أساسيا من أركان الممارسة السياسية للمواطن. الثاني أن الاتصالات الرقمية والإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية تمثل حاليا امتدادات مهمة للغرب في مختلف دول العالم، وكون الحكومات تتخذ قرارات في حال المظاهرات لقطع هذه الامتدادات بقرار واحد وبلا مبالاة برد الفعل الغربي يعني أن كل ما تستثمره الحكومات الغربية قد يذهب هباء بسرعة مع أول جرس إنذار. في الأسبوع الماضي تناولت الجدل الذي دار حول دور الشبكات الاجتماعية في تحفيز ودعم التغيير الذي حصل في تونس، وجاءت الحالة المصرية بعد ذلك مباشرة لتساهم في تقديم أجوبة عن بعض الأسئلة المطروحة، ولتقدم كما ثريا من المعلومات التي يمكن من خلالها تأمل العلاقة بين الإنترنت وبين التغيير الاجتماعي والتحرك الشعبي. عند كتابة هذه السطور ما زال الإنترنت مقطوعا عن مصر، ولكن المظاهرات والتجمعات في الشارع لم تتوقف، ولكن هذه التجمعات فقدت القدرة على المزيد من التنسيق في ترتيب تحركاتها، كما لم يعد يمكنها الدفاع عن نفسها في وجه تساؤل الإعلام والناس عن حالات الشغب والنهب والسرقة التي انتشرت في مصر بسرعة هائلة، بالإضافة إلى كونها فقدت الاتصال بالخارج وبالإعلام الدولي. في المقابل، عمل المصريون في الخارج على محاولة تغطية النقص الذي حصل، من خلال معلومات يحصلون عليها عبر الاتصال الهاتفي بالناس في الداخل (أو من خلال من يتصلون بالإنترنت عبر أرقام دولية)، وجاءت القنوات الفضائية لتمتلك الموقف وتمثل المصدر الرئيسي للمعلومات، وهذا يدل على أن صانع القرار المصري كان قلقا من قدرة الناس على استخدام التكنولوجيا في التنظيم والتواصل الجماهيري أكثر من قلقه من استخدام التكنولوجيا في نقل المعلومات والصور. الأثر السلبي على صورة مصر الخارجية كبير بسبب قطع الإنترنت، فالحكومة المصرية تلقت النقد والغضب من كل جمعيات حقوق الإنسان تقريبا، ومن وسائل الإعلام الغربية، كما دفعت مواقع الإنترنت الإخبارية المصرية الثمن غاليا مع انقطاعها في ظل عطش الجمهور للأخبار، وسبب انقطاع الإنترنت اضطرابا في تنظيم حركة الطيران والتعاملات المالية، وحرم السكان وضحايا النهب والسرقة من التواصل مع العالم الخارجي وتنظيم أنفسهم في ظل هجمات ''البلطجية''، ولكن هذا كله على ما يبدو كان يستحق الفوائد التي حققتها الحكومة المصرية من ذلك..! ملاحظة طريفة: الصين منعت البحث عن كلمة ''مصر'' على مواقع الإنترنت ووضعت ضغطا على وسائل إعلامها لتقليل تغطية ما يحصل في مصر، والاقتصار على أخبار محدودة، وهذا في الغالب لمنع عدوى الانتفاضات الشعبية من الانتقال عبر العالم الافتراضي إلى الصين، وإن كنت أعتقد أن عدوى قطع الإنترنت بشكل كامل ستنتقل إلى دول أخرى في حال حصول حالات مماثلة، وعلى رأسها الصين. نقلا عن الاقتصادية