في الوقت الذي أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمراً بعفو شامل عن جميع السجناء الموقوفين بالسجون السعودية في الحق العام، ينتظر المتهمون في كارثة السيول التي ضربت محافظة جدة أواخر عام 2008، وبعض السجناء المتورطين على خلفية «فاجعة جدة»، قرار الجهات المختصة حول شمولهم بالعفو من عدمه بعد تواتر أنباء متضاربة حول شمولهم بالعفو. فيما أكد مصدر ل «الحياة» أن عملية إطلاق السجناء المشمولين بالعفو الملكي تتم وفق آلية وأنظمة تحددها الجهات المعنية، مشيراً إلى أن اللجان المعنية بدأت بمباشرة أعمالها في عدد من مقار السجون. واستبعد مطلعون على ملفات قضايا المتهمين في القضية شمول العفو المتهمين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، مرجعين ذلك إلى أن غالبية ملفات القضايا تضمنت تهماً بالرشوة والتزوير، مشيرين إلى أنه في بعض الحالات لا يشمل العفو قضايا التزوير. فيما تحدث قانونيون ل «الحياة» عن آليات العفو وعن قضية المتهمين في كارثة السيول، مشيرين إلى ضرورة الاطلاع على صيغة قرار العفو واللوائح التي تحدد الجرائم المشمولة بالعفو، إلا أنهم لم يستبعدوا أن يتم الإفراج عنهم ضمن المشمولين بالعفو الملكي. وأكد المحامي طارق الشامي أنه لا يستطيع التعليق على قرار العفو الذي أصدره الملك سلمان عن الموقوفين في قضايا الحق العام والديون حتى الاطلاع على صيغة القرار وما تضمنه من بنود لإطلاق سراح الموقوفين من متهمي السيول. ولفت إلى أن شمول العفو للمتهمين في كارثة السيول التي ضربت محافظة جدة لا يمكن تأكيده إلا بعد الاطلاع على صيغة العفو الذي أصدره الملك سلمان. وأضاف أن هناك استثناءات وآليات منظمة للعفو، مشيراً إلى هناك قضايا لا يشملها العفو العام، لا سيما قضايا أمن الدولة، والتزوير، والرأي العام والغش التجاري، وغيرها من القضايا التي تحدد من الجهات المختصة. وشدد على أن هناك آلية ولوائح تحدد طبيعة المشمولين بالعفو من السجناء، مشيراً إلى أن اللوائح تخضع لتحديث مستمر. ورأى الشامي أن قضايا السيول قد يشملها العفو، لا سيما وأن غالبية التهم الموجهة للمتهمين تدور حول الرشوة والرجاء والوساطة ومخالفة الأنظمة، ولم تتم إدانتهم بحق خاص. وقال المدعي العام السابق والمحامي الدكتور إبراهيم الآبادي إنه لا يستطع تأكيد ما إذا كان العفو العام الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيشمل من صدرت بحقهم أحكام قضائية في كارثة السيول التي ضربت محافظة جدة. وأرجع ذلك إلى عدم الاطلاع على ما تضمنه القرار، إضافة إلى الآلية التي وضعتها وزارة الداخلية لإطلاق الموقوفين في السجون على ذمة بعض القضايا، مشيراً إلى أنها قضايا رأي عام، ويجب أن ينتظر قرار لجان العفو الذي سيتم تشكيلها في السجون. وأوضح المحامي عبدالعزيز الزامل، أن العفو عن السجناء في الحق العام هو عفو يشمل جميع السجناء في قضايا الحق العام وفقاً للقواعد الواردة ببرقية وزير الداخلية رقم 46638، أما في حال وجود حق خاص، فإن الدعوى الجزائية الخاصة تنقضي في إحدى الحالتين إما بصدور حكم نهائي، أو عفو من المجني عليه أو ورثته، استناداً إلى المادة ال23 من نظام الإجراءات الجزائية، مشيراً إلى أن الأمر الملكي فوض وزير الداخلية بوضع الضوابط. وأضاف أن تلك القضايا في الحق العام يتخذ فيها ما تقرره تلك الضوابط، مشيراً إلى أن آخر الضوابط التي صدرت في عفو سابق نصت على أن يتم إرسال المعاملات إلى لجنة العفو. ولفت إلى أنه ينتظر تلك الضوابط المنصوص عليها في الأمر الملكي الصادر بشأن الموقوفين في السجون، إذ إن الغاية من هذا العفو هو حرص الملك سلمان بن عبدالعزيز على لمّ شمل الأسرة معتبره قراراً حكيماً. ونص الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الخاص بالعفو عن السجناء الموقوفين ب «نظراً إلى وجود بعض من أبنائنا وبناتنا وبعض الوافدين إلى هذه البلاد في السجون جراء ديون، أو قضايا مختلفة، ولحرصنا على لمّ شمل الأسر التي فقدت أحد أعضائها، وبعد الاطلاع على قرار مجلس الوزراء رقم 210 وتاريخ 23-5-1435ه وعلى الأمر رقم 29222 وتاريخ 23-7-1435ه.». وأضاف : « أمرنا أولاً بالعفو عن السجناء في الحق العام وفق القواعد الواردة ببرقية وزارة الداخلية رقم 46638 وتاريخ 7-4-1436ه، ويشمل العفو الوارد في البند (أولاً) من أمرنا هذا الإعفاء من الغرامات المالية بما لا يتجاوز 500 ألف ريال، وإبعاد كل من يشمله العفو من غير السعوديين، وإدراجهم على قائمة المنع من دخول المملكة، وتفويض ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بتفسير قواعد هذا العفو وأحكامه، ووضع الشروط العامة لتنفيذه، والتسديد عن المطالبين بحقوق مالية وفق الضوابط الواردة بالأوامر رقم أ-25 وتاريخ 20-3-1432ه ورقم 6715 وتاريخ 21-2-1434ه ورقم 7758 وتاريخ 2-3-1435ه ورقم 15708 وتاريخ 26-4-1435ه على ألاّ يكون قد تم السداد عن المدين سابقاً بموجب تلك الأوامر وعاد في ديون جديدة». وسبق أن كشفت مصادر مطلعة ل «الحياة»، أن محكمة الاستئناف الإدارية في منطقة مكةالمكرمة ستنهي خلال الفترة المقبلة «الحلقة» الأخيرة من ملفات قضايا المتهمين في كارثة السيول التي ضربت محافظة جدة أواخر عام 2008. وسجلت الفترة الماضية وقبل صدور العفو الملكي عن السجناء عدداً من ملفات القضايا التي صدرت بها أحكام ابتدائية من المحكمة الإدارية بمحافظة جدة، والتي كان آخرها الحكم بتبرئة 14 متهماً منهم سعوديون وجنسيات مختلفة، وسجن «فنان سعودي» أربعة أعوام وتغريمه 300 ألف ريال، إضافة إلى حكم على أحد المتهمين (سعودي) بالسجن عاماً وتغريمه 100 ألف ريال. وكانت الجهات المختصة أنهت تحقيقاتها مع 302 متهم في كارثة السيول، ووجهت لهم جرائم «الرشوة» و«التزوير» و«استغلال النفوذ الوظيفي»، والتي استحوذت على ملفات القضايا التي وجهت للمتهمين من بينهم سعوديون ومقيمون وردت أسماؤهم في مقدمة قرارت الاتهام، إذ بينت التحقيقات التي أجرتها جهات الاختصاص أن جريمة «الرشوة»، و«التزوير» كانت الأبرز في ملفات القضايا التي أحيلت إلى المحكمة الإدارية في محافظة جدة، إذ جرت محاكمة أعداد كبيرة من المتهمين، وصدرت أحكام بالتبرئة، والإدانة لبعض المتهمين بينهم موظفون حكوميون، وآخرون يعملون في المجال الرياضي. وحوت ملفات المتهمين في كارثة السيول تهماً تتعلق بجرائم متعلقة بالتزوير وإساءة الاستعمال الإداري والعبث بالأنظمة والتعليمات والتفريط في المال العام، وإزهاق الأرواح البشرية وإتلاف الممتلكات العامة، وإهدار أكثر من 100 مليون من أموال الدولة، إذ طلب «المدعي العام» من المحكمة إيقاع عقوبة تعزيرية على المتهمين في كارثة جدة بما يحقق المصلحة العامة، كون الأفعال التي ارتكبوها مخالفة صريحة للأوامر، والتعليمات، وعدم مراعاة مصالح الوطن، والعامة من الناس وهو ما أدى إلى إزهاق أرواح البشر، الذين تجاوز عدد المتوفين منهم 100 شخص بحسب تقرير الدفاع المدني وإصابة 350 شخصاً. وتضمنت جلسات محاكمة المتهمين إنكاراً ونفياً للتهم التي وجهت ضدهم من المدعي العام في هيئة الرقابة والتحقيق، في حين تمسك «المدعي» وأصر على جميع الاتهامات التي تضمنتها اللائحة مطالباً بمعاقبتهم وفقاً لنص المواد (1، 3، 11، 12، 15) من نظام مكافحة الرشوة الصادر بالأمر السامي الكريم رقم م /36 وتاريخ 29- 12- 1412ه والفقرة رقم (1) من المادة الأولى من المرسوم الملكي رقم 43 لعام 1377ه والتي تصل في حال ثبوتها على المتهمين إلى السجن لحوالى 10 أعوام لكل متهم. «مسؤول» في «الأمانة» أبرز الموقوفين المتوقع استفادتهم من العفو برز رئيس «لجنة تصريف مياه الأمطار»، ومدير قسم الطرق في أمانة جدة سابقاً كأحد من تم الحكم عليهم وإيقافهم في السجن، إذ تمت إدانته على خلفية جرائم الرشوة واستغلال النفوذ عندما كان يعمل في منصبه. وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» في وقت سابق، أن الجهات المختصة أودعت المتهم وهو «مسؤول» في أمانة جدة ، بعد أن قضت المحكمة الإدارية في محافظة جدة بتعزيره وسجنه سبعة أعوام، وتغريمه مليون ريال، على خلفية إدانته بتهمة الاشتغال بالتجارة، والحصول على رشاوى لتسهيل معاملات رجال أعمال. وأوضحت أن إيداع «المسؤول» السجن جاء بعد تصديق الأحكام الابتدائية التي صدرت بحقه، إضافة إلى عدد من المتهمين المشاركين معه في القضية من محكمة الاستئناف الإدارية في منطقة مكةالمكرمة التي درست ملف القضية قبل تصديقها. وجاءت تلك التطورات بعد أن صادقت محكمة الاستئناف بمنطقة مكة على الأحكام الابتدائية التي أصدرتها المحكمة الإدارية في محافظة جدة في ملف القضية والتي تضمنت أحكاماً بالسجن على أربعة متهمين آخرين، بينهم رئيس سابق لأحد الأندية الرياضية الكبيرة (تحتفظ «الحياة» باسمه)، إذ حكمت بسجنه ثلاثة أعوام وتغريمه 200 ألف ريال، بعدما دانته بتقديم رشاوى ل «مسؤول» في أمانة جدة، وتعديل قيمة مناقصة من 240 مليوناً إلى 300 مليون ريال. يذكر أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله، أمر بإحالة الموظفين والمقاولين المسؤولين عن انهيار المنازل التي جرفتها المياه إلى القضاء، كما وجّه بمحاسبة المتورطين في الفساد وسوء الإدارة بعد أن تسببت السيول في تدمير 10785 مبنى ومنزلاً، وجرف 10850 سيارة، وخلص التحقيق إلى أن مرافق جدة غير مهيأة لتصريف السيول، وأن البناء العشوائي في المدينة وحولها كان سبباً في تهدم آلاف المنازل.