من الموضات الدارجة اليوم في السعودية نقد «الصحافة الورقية». يلازم هذا النقد، أحياناً كثيرة، التبشير ب «الصحافة الرقمية»، أو ما يعرف ب «الإعلام الجديد». عموماً، نقد الصحافة لتقويمها مطلوب ومحترم، لكن الحال أن النقد الدارج اليوم يشوبه كثير من التضليل والجهل وربما أكثر ما يشوبه الخصومة في الأيديولوجيا أو الفكر. كما أن بعض الأصوات التي ترتفع مبشرة ب «الصحافة الرقمية» وبنهاية مستقبل «الصحافة الورقية» هي أصوات «شامتة» - لكل أسبابه - أكثر من كونها معرفية. بعبارة أخرى: بعض أولئك النقاد إذا لم يكن معظمهم ناقماً أكثر من كونه «عارفاً». يصح ذلك خصوصاً في أولئك الذين يتهمون الصحف الورقية بغياب الصدقية والمهنية والدقة، متناسين أن تلك السمات هي نقاط ضعف «الصحافة الرقمية» في حال مقارنتها بالورقية، فالأخيرة تخضع لمتابعة أكثر دقة إلى حد ما. ومن هنا، يعد ترك القنوات الرقمية من دون روادع قانونية وسوابق قضائية مغرمة جريمة في حق أي مجتمع. وحتى لا يساء فهم ذلك: فالحديث عن ضرورة وجود نظام لا يعني أبداً أن يكون نظام المطبوعات الحالي مثلاً هو الحل، والتشكيك في نظرية نهاية الورق لا يعارض انتشار وازدهار القنوات الرقمية. إن المغربل الحقيقي للصحافة الرقمية مستقبلاً هو معايير الصحافة الورقية ذاتها، فالفرق بين صحافة ورقية ورقمية هو التوقيت والكيفية، فالمادة الرقمية لا تختلف معايير صياغتها وكتابتها عن الورقية. المواد الرقمية هي التي لا يحتمل مضمونها نسبياً التأجيل ليوم أو أكثر، خصوصاً تلك التي يصبح مضمونها متداولاً، وتبثها وكالات أنباء أو قنوات رقمية أخرى. والمقصود هنا بالقنوات الرقمية المجانية منها فقط، فلكل قناة رقمية مدفوعة سياسات مختلفة تخضع أيضاً لكيفية الكتابة وتوقيت بثها. إن مفهوم محتوى الصحافة الورقية يعد مفهوماً سابقاً لعصر التلفزيون والقنوات الرقمية. لهذا كانت (ولا تزال) كثير من الصحف التي استمرّت في زمن التلفزيون والقنوات الرقمية معوقة ومتأخّرة وموسومة بمواصفات تعين إعاقتها وتأخّرها هذين. ومن ضمن هذه المواصفات أنها لا تفرّق بين ما يفترض أن يكتب للقناة الورقية وما يفترض أن يكتب للقنوات الرقمية، وهذا ما يجعلها «صحافة رديئة» في رأي المختصين. * ابراهيم بادي / [email protected]