سعيد معيض لا تخفى على الجميع مشكلة الإسكان في المملكة نتيجة زيادة عدد السكان، وبالتالي ارتفاع الطلب على الأراضي السكنية والفلل والشقق الجاهزة، وهذا ما دفع بالأسعار إلى أرقام فلكية لم تعد في مقدور كثير من أبناء الطبقة الوسطى ناهيك عن الطبقة الفقيرة في شراء وتملك العقار، ويعود السبب في ذلك إضافة إلى ارتفاع الطلب إلى جشع تجار العقار وزيادة المضاربات على الأراضي، وارتفاع أسعار مواد البناء إلى غير ذلك من الأسباب. وقد قامت الدولة مشكورة منذ سنوات بالتدخل من خلال إنشاء وزارة الإسكان ورفع قيمة القرض وزيادتها إلى غير ذلك من الإجراءات، واعتمدت في ذلك مليارات الريالات لحل هذه المشكلة. وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات مازالت أسعار العقارات مرتفعة خصوصاً في بعض المناطق وداخل المدن، بل إن الأسعار في ارتفاع إلى مستويات فلكية، ويعود ذلك إلى أن الدولة ركزت الحل في الجانب المادي فقط، وعلى الرغم من أهمية ذلك فإنه لا يمكن أن يحد من المشكلة دون دراسة أسباب ارتفاع العقار وإعادة قراءة كثير من الأنظمة الصادرة من جهات مختلفة من الدولة وتغييرها إن لزم الأمر، وأنا هنا أضع ثلاثة مقترحات غير مادية وغير مكلفة للدولة لإضافتها إلى الحلول المتخذة من قِبل وزارة الإسكان، التي يمكن أن تفجر «فقاعة العقار» الحالية وتجعله في متناول الجميع، من أجل تخفيض هذه الأسعار وتمكين المواطن من أن يتملك منزلاً له ولأسرته، وهذه اقتراحاتي التي أعتبرها مكملة لما قامت به الدولة من حلول. 1/ إنشاء مجلس أعلى للإسكان: على غرار المجلس الاقتصادي الأعلى، وذلك لتداخل مشكلة الإسكان مع عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، يهتم بوضع التنظيمات الميسرة للتملك في جميع أرجاء المملكة، ويقوم بتعديل أي أنظمة تعيق تملك المواطنين الأراضي والمساكن، وتكون له سلطة على جميع الوزارات والهيئات، ويستعين بخبراء في العقارات والاقتصاد والتخطيط الهندسي وغير ذلك، كما يكون من مهامه دراسة التركيبة السكانية في المدن وغيرها ووضع الخطط للحد من الهجرة لها وتنمية المحافظات البعيدة والأرياف. 2/ السماح بزيادة الأدوار المسموح ببنائها من دورين وملحق في الأحياء السكنية إلى خمسة أدوار أو ثلاثة على الأقل، وهذا القرار في حال اعتماده سيوفر مباشرة عشرات الملايين من الأمتار المربعة داخل المدن، مما يؤدي إلى زيادة العرض مقابل الطلب، وبالتالي انخفاض الأسعار، وهذا مطبق في كثير من الدول مثل مصر وهونغ كونغ ودول كثيرة أخرى، ومن مميزات هذا القرار زيادة الترابط الاجتماعي بين الأسر، حيث يبني الشباب دوراً أو دورين مع بيت والدهم فيكون قريباً من والديه، كما أن تكلفة البناء منخفضة مقارنة بالبناء على الأرض، ويمكن أن يستفاد منها في التأجير فتنخفض إيجارات الشقق نتيجة زيادة العرض. وقد يقول قائل إن ذلك سيؤدي إلى الضغط على الخدمات، لكنني أرى أن الخدمات قادرة على استيعاب هذا التوسع الرأسي، وأن تكاليف توسعتها أقل من المخططات الجديدة، ويجب على البلديات وضع الشروط الهندسية لذلك من حيث نوع مواد البناء، كأن يكون «البلك» من النوع الخفيف، إلى غير ذلك من الاشتراطات. 3/ إعادة النظر في قرار إيقاف إصدار الحجج، الذي صدر عام 1428ه، ورغم أن هذا القرار صدرت له استثناءات من مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل بالنسبة للمدن الكبيرة، لكن كثيراً من المحافظات والمراكز مازالت تطبق قرار المنع بحجة وقوع الأرض خارج النطاق العمراني، بل إن هناك مراكز ممنوعة كلياً من إخراج الحجج لعدم وجود بلدية فيها، ولهذا أرى أن يُعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل 1428ه، بحيث يستطيع الشخص إصدار حجة على ممتلكاته في أي محافظة ومركز من المملكة بعد تصديق البلدية عليه، بحيث يكون في غير بطون الأودية أو مكان للدولة. وسبب هذه المطالبة أن الأراضي في كثير من المدن الصغيرة والقرى والهجر رخيصة جداً رغم الارتفاع الفلكي في المدن بحجة عدم وجود حجة، ولهذا فالناس مُحْجِمون عن الشراء والبناء خوفاً من الإزالة، ولكن في حالة وجود حجج استحكام فإن كثيراً من الناس سيعودون من المدن إلى مناطقهم، خصوصاً مع توجه الدولة إلى فتح الجامعات والمستشفيات وتوفير مختلف الخدمات للحد من الهجرة إلى المدن. ومن المبررات أيضاً أنه لا يمكن تنمية وتطوير المراكز والهجر والمحافظات، بينما لا توجد على هذه الأراضي حجج استحكام، في حين أن كثيراً منها هو ملك متوارث لأبناء هذه القرى والمحافظات ومن حقهم الحصول على حجج كما كان سابقاً، خصوصاً أن النظام الأساس للحكم يشدد على حماية أملاك المواطنين، والحجج هي أقوى وثيقة لإثبات التملك. كما يجب العمل على تقليل المدة الزمنية لاستخراج حجة الاستحكام، بحيث لا تزيد على عام واحد بتبسيط الإجراءات والتقليل من المخاطبات غير الضرورية للجهات والهيئات، وأعتقد أن موافقة الزراعة والبلدية ووجود الشهود كافٍ لاستخراج الحجج. إن هذه المقترحات؛ وهي: إنشاء مجلس أعلى للسكان، وإعادة النظر في بعض الأنظمة المُعيقة لتملك الأراضي، والسماح بزيادة الأدوار عمَّا هو مسموح به حالياً، وإعادة الوضع إلى ما كان قبل عام 1428ه بخصوص إصدار الحجج السكنية والزراعية، من الأمور التنظيمية المساعدة كثيراً في خفض أسعار العقار، لتكون في متناول الأكثرية من الناس، إضافة إلى كبح جماح غلاء الإيجارات السكنية في المدن، وكثيراً ما كان سن الأنظمة والقوانين أكثر مضاء من المال في حل المعضلات.