تجاوزت: «القرونَ المفضلةَ»، واكتفيتُ هاهنا بالرابع والخامس، لجملة من اعتباراتٍ، لعلَّ من أهمها: حالة التشابه الكبيرة فيما بيننا وبين «أهل ذانك القرنين»، إذ نجتمع وإياهم في نقاط تلاقٍ تجاوزنا فيها المشترك اللفظي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بحيث تَشعر- أثناء القراءة- أنك وِجدت في عصرنا خطأً وإنما أنتَ ابنٌ لذلك القرن!، بل وكأنما كنتَ تعرف دقّة تفاصيل مشاهدها ومجريات حوادث -ذلك القرنين- ناهيك عن حميمة لحمةِ تواصلك روحيّاً بشخوصها. وثمة اعتباراتُ أخرى أحسبها ليست بخافية عن درك فطنتِك. كما أنّ الاكتفاء ب: «الحنابلة» دون غيرهم -مع أن ليس ثمة فروق تكاد تذكر فيما بينهم جميعاً -جاء هو الآخر باعتبار ممارسة: «نقد من الداخل» يجب أن نجترحها بأنفسنا، وذلك أنّنا أولى بمدرستنا قراءة ونقداً مِن سوانا، الأمر الذي جعلني ثانيةً أكتفي بما جاء في كتب مؤرخي الحنابلة من مثل: «ابن الجوزي في المنتظم» أو بمن هو موطن ثقتهم : «ابن كثير في البداية والنهاية» وقل مثل ذلك في أمر: «ابن الأثير في الكامل».. وعليه فما تمّ نقله هاهنا كان من هذه الكتب ليس غير. أدعكم الآن مع: «اللقطات الحيّة» لمشاهدتها قراءةً وتأملاً، في حين سأعمد لجعل: «مواد.. تشبه الإعلانات في لغة إعلام هذا العصر» للفصل بين لقطاتٍ وأخرى. 317 ه وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب: «أبي بكر المروذي الحنبلي» وبين غيرهم من العامة، وكان السبب في كل ذلك يُعزى لاختلاف في تأويل آية من القرآن. 445 ه لعن السلاجقةُ: «الأشعريَّ» ب: «نيسابور» وذلك لكسب ودّ: «الحنابلة» قبل الدخول إلى بغداد. * فاصل: (كان للمعتضد جارية يتحظّاها يقال لها: «فريدة» فأمر بإقطاعها ضياعاً بمالٍ كثير… وفي سنة 364 ه تزوج «الطائع» شاه زنان بنت: «عز الدولة» البويهي على صداق مقداره 100.000 دينار وفي السنة نفسها زادت الأسعار وعدمت الأقوات وبيع الكر من الدقيق ب175 ديناراً). 447 ه وفيها كانت فتنة كبرى فيما بين الفقهاء من: «الشافعية» ومن: «الحنابلة» بسبب الجهر بالبسملة والترجيع في الآذان: فقوي جانب: «الحنابلة» قوة عظيمة بحيث إنه كان ليس لأحد من: «الأشاعرة» أن يشهد الجمعة ولا الجماعات. 465 ه توبة: «ابن عقيل الحنبلي.. أبو الوفاء» وكان الحنابلة إذ ذاك قد نقموا عليه سنة 461 ه بسبب تردده إلى: «أبي علي بن الوليد» المتكلم المعتزلي واتهموه جرّاء هذا التردد بالاعتزال. وفي السنة نفسها: أمر: «الحنابلة» بهدم المواخير وتبطيلها وصادف أن غرقت «بغداد» في السنة التالية فاعتبروا ذلك عقاباً من الله. *فاصل: (في سنة 418 ه معزّ الدولة يبني داراً، فعظّم المجالس وضخّم البناء ووصل بها من الإسطبلات ما يسع ألوفاً من الكراع، وجعل على كل إسطبل باباً من حديد فخم وأنفق عليها ما قيمته ألف ألف دينار). 469 ه قدم: «ابن القشيري» بغداد وجلس يتكلم في مدرسة: «النظامية» حيث أخذ يذم الحنابلة بكل قالة سوءٍ وينسبهم تالياً إلى التجسيم وساعده في التشغيب: «أبو سعيد الصوفي» وما كان من: «أبي إسحاق الشيرازي» إلا أن مال معهما. وكتب إلى «نظام الملك» يشكو إليه: «الحنابلة» ويسأله المعونة عليهم -أي في إنزال العقوبة والنيل منهم-. وذهب جماعة إلى: «الشريف أبي جعفر بن أبي موسى» شيخ الحنابلة وهو في مسجده فدافع عنه آخرون واقتتل الناس بسبب ذلك… وثارت الفتنة المنعوتة تاريخياً بفتنة: «ابن القشيري». 470 ه ورد كتاب من: «نظام الملك» إلى: «أبي إسحاق الشيرازي» بخلاف ما كان يرجوه هذا الأخير إذ جاء فيه تعظيم وتبجيل ل: «أحمد بن حنبل» فتداول هذا الكلام الحنابلة وسرّوا به وقووا معه.. فلم يكن بدٌّ من الفتنة. *فاصل: (في سنة 447 يتزوج الخليفة بنت أخي السلطان: «طغرلبك» وأفرد لها من إقطاع دجلة 12.000 وكان زواجه باذخاً ما يوازي نصف موازنة الخلافة). 473 ه أُذن للوعاظ بالجلوس للوعظ والتذكير وذلك عقب أن طالت مدّة منعهم التي امتدت منذ فتنة: «ابن القشيري»!. 475 ه وما هي إلا أقل من سنتين بيسيرٍ وإذ بالفتنة تذر قرنها من جديد إذ حدثت بين: «الأشاعرة» وبين: «الحنابلة» فتنة طاولت بأذاها الجميع وكانت بسببٍ مِن تعرّض الوعاظ: «الأشاعرة» للحنابلة بالسب والتكفير. 495 ه قدم: «عيسى بن عبدالله القونوي» فوعظ الناس وكان شافعياً أشعرياً فوقعت فتنة أخرى لا تقلّ عن مثيلاتها بين: «الحنابلة « وبين: «الأشعرية» ببغداد. *فاصل: (في العام449 حدثت مجاعة ووباء عظيم في: «بغداد» وعلى إثره تاب الناس وتصدقوا بأكثر أموالهم وأراق الناس الخمور وكسروا آلات اللهو وألزموا المساجد للعبادة وقراءة القرآن.. وعطّلت المواخير وغلّقت ونودي بإزالتها). … وبعد فلئن مارست شيئاً من تعليقٍ، على هذه: «اللقطات الحيّة بفواصلها» فإني بذلك أكون قد مارستُ شيئاً من توجيهٍ لك في كيفيّة أن: «تُشاهد» ولأي الزوايا يجب أن تنظر!، وتلك لعمر الله: «وصاية» يجب أن نفرّ منها -كلّنا- فرارنا من الأسد!. ثمّة نصّ ل: «ابن تيمية» أوده أن يكون قفلةً لهذه المقالة.. حيث قال: (.. ولم يقل أحدٌ من السلف والصحابة والتابعين إن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع… وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما..). إذن.. فما بالنا كذلك؟!.. وبالمناسبة هل تروننا قد تغيّرنا كثيراً عمّا كان عليه أولئك؟! أيّ بؤسِ إذن ستعيشه: «أمةُ» لا تجيد إلا استنساخ أخطاء ماضيها ثم لا تلبث أن تمنحه شرعية -وقداسة- فيكون ديناً؟! في حين يُنحى القرآن وما صحّ من السنة جانباً ويُجعلُ تالياً من ملوثات: «التاريخ» صراطاً مستقيماً!. شكونا إليهم خراب العرا ق فعابوا علينا شحوم البقر فكانوا كما قيل فيما مضى أريها السّها وتريني القمر