بيّنت دراسة حديثة أن التعرّض للسب والشتم يأتي على رأس الاعتداءات الجنائية التي يواجهها المواطنون، فيما ظهر أن التلاعب بالحسابات البنكية من أقل الاعتداءات حدوثاً، وذلك بحسب عيّنة تتكون من 3091 أسرة من المناطق الثلاث عشرة. ووفقاً للدراسة الاستطلاعية التي أعدّها أستاذ علم الاجتماع الجنائي المساعد في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور صالح بن عبدالله الدبل، فقد استهدف البحث استطلاع مستوى التعرض للاعتداءات الجنائية، والتعرّف على العلاقات بين الخصائص والإمكانات الجانبية للأسر (كنوع المسكن وعدد الأفراد ونوع المعيشة…)، وبين تعرّض الأسر للاعتداءات الجنائية المختلفة. ترتيب الاعتداءات وأظهر البحث أن التعرض ل«السب والشتم» يأتي أولاً من بين الاعتداءات التي قال المبحوثون إنهم تعرّضوا لها، يليه «السرقة من السيارة»، ثم التعرض ل«النصب والاحتيال»، ف«السرقة من المنزل»، وبعدها «تخريب الممتلكات»، ثم «التعرض للمعاكسات»، ثم «سرقة السيارة» ذاتها، ف«النشل»، ويليه «الاعتداءات الجسدية»، وأخيراً «التلاعب بالحسابات البنكية». اعتداء لفظي وقال الباحث إن هذه النتيجة تدعو إلى «وضع تصنيف قانوني لأنواع الاعتداء بالسب والشتم وتحديد عقوبات لمن يفعل ذلك، حيث إن كثيراً من الناس لا يعدون الاعتداء اللفظي من الجنايات التي يُعاقب عليها، وبالتالي يتم استخدامه للتعبير عن الغضب والدفاع عن النفس»، وأضاف الباحث: «يلزم أن تصاحب ذلك توعية اجتماعية حول خطورة السب والشتم والكلمات النابية التي يطلقها الناس جزافاً، والتي يمكن أن يقع مرتكبها تحت طائلة العقاب، ولعل الهيئة والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى وزارة العدل والجهات التشريعية، أن تشارك في دراسة وتأطير هذا الأمر وإعطائه الصفة الشرعية والقانونية». الطبقة الوسطى واتضح من البحث أن الأسر ذات الدخل المتدني أكثر عرضة للاعتداءات الجنائية، تليها الأسر ذات الدخل المرتفع، في حين سجلت الأسر ذات الدخل المتوسط أقل الحالات تعرّضاً للاعتداءات. وعلّق الباحث الدبل على النتيجة بقوله: «إن ذوي الدخل المتدني أقل حظاً من الناحية الاجتماعية، ووسائل الدفاع تقل عندهم، بحيث يكونون عرضة للاعتداءات أكثر من غيرهم»، لكنه يضيف أيضاً أن ذوي الدخل المتدني «تزداد شكواهم دائماً من الأوضاع الاقتصادية، ما يجعلهم يصفون أنفسهم بالمعتدى عليهم.. لأن المجتمع لا يوفر لهم الحماية الكافية ضد الاعتداءات». فقراء مستهدفون وبما يشبه الإثبات الإضافي للأمر البديهي، أكّدت الدراسة أن من يسكنون في «العشش والصنادق والخيام» هم الأكثر عدداً في التعرّض للاعتداءات الجنائية، وذلك من خلال تصنيف الأسر بناء على نوع المسكن. في حين ظهر أن ساكني الشقق يحظون بالأمن الأقوى، وجاء سكان الفلل والبيوت الشعبية في الوسط من حيث الاعتداءات ضدهم. ويقول الباحث إن انخفاض مستوى الاعتداءات ضد ساكني الشقق قد يكون عائداً إلى المستوى الأمني المعتاد الذي يحيط بالشقق، وكذلك وجود مدخل واحد للمجمع السكني، وأيضاً لتوفر حرّاس في كثير من مجمعات الشقق. وأوصى الباحث بضرورة التوسع في أساليب الحراسة المنزلية نحو الكاميرات والتكنولوجيا الأمنية المناسبة. وأكّد أنه «يلزم النظر إلى العشش والصنادق وما شابهها على أنها أماكن غير قابلة للسكن الفردي أو العائلي، ويجب أخذ الإجراءات ضد وجودها»، مشيراً إلى أنها تعدّ «ثغرة أمنية كبيرة يلزم سدّها». دور الأحياء وعلى مستوى نوع الحي، أوضحت الدراسة الأحياء التي يمكن تصنيفها بأنها «متوسطة» هي الأكثر أمناً، في حين تزداد الاعتداءات في كل من الأحياء المصنّفة بأنها «متدنية»، جنباً إلى جنب مع الأحياء المصنفة بأنها «عالية». ودعا الباحث تعليقاً على هذه النتيجة إلى «تحسين أوضاع الأحياء كافة من النواحي الخدمية وبنود الرعاية الاجتماعية، وتركيز الاهتمام على الأحياء الأقل في المستوى الاقتصادي». ذكور وإناث الأسرة وفي محور آخر، كشف البحث عن العلاقة بين أفراد الأسرة ونوعهم (ذكوراً – إناثاً) وبين تعرّضهم للاعتداءات، كما كشف عن علاقة نسبة الذكور أو الإناث في إجمالي أفراد الأسرة، وبين تلك الاعتداءات؛ وظهر أن الأسر التي يقل فيها عدد الذكور عن الإناث هي الأكثر عرضة للاعتداءات الجنائية، وتنخفض الاعتداءات حين يكون العدد متساوياً، وتنخفض أكثر حين يكون الذكور أكثر عدداً من الإناث في الأسرة. واتضح أن خمسة اعتداءات هي: السرقة من المنزل، وسرقة السيارة، والسب والشتم، وتخريب الممتلكات، والتعرض للمعاكسات، تكثر عند الأسر التي لا ذكور فيها، في حين تكثر اعتداءات: السرقة من المنزل، والسرقة من السيارة، ضد الأسر التي يتساوى ذكورها وإناثها عدداً، أما الأسر التي تزيد فيها الإناث عن الذكور فهي معرّضة أكثر للاعتداءات من نوع: المعاكسات، والسب والشتم، وتخريب الممتلكات. وتشير النتيجة بحسب الباحث إلى أن «وجود الإناث يرفع وتيرة التعرض للاعتداء الجنائي بشكل طفيف»، موضحاً أن انخفاض الاعتداءات عند الأسر ذات الذكور يمكن تفسيره بما يقدمه الذكور في الأسرة من الحماية والدفاع الاجتماعي، في حين أن «الإناث إن لم يشاركهن في الأسرة ذكور، فقد يكن هدفاً للاعتداء والمعاكسات». طلاق وترمّل وسلطت الدراسة الضوء على العلاقة بين وجود حالات طلاق أو ترمّل وبين الاعتداءات التي تتعرض لها الأسر، فاكتشفت أن حالات الطلاق والترمل «تجذب» الاعتداءات على الأسر. وقال الباحث: «قد يُفسّر ذلك بوقوع تلك الأسر تحت بعض الضغوط الاجتماعية، وحاجة المرأة فيها للعمل والبحث عن الرزق، ما يعرّضها للاحتكاك مع الناس فيولّد بعض الاعتداءات الجنائية». حول الدراسة وظهرت الدراسة تحت عنوان: «ضحايا الاعتداءات الجنائية: دراسة نظرية وميدانية على مستوى مناطق المملكة العربية السعودية» وجُمعت معلوماتها عام 2009 بطريقة «العيّنة الميسرة»، من خلال فريق بحث مكوّن من خمسين باحثاً تعاملوا مع البيانات الواردة من وحدات البحث، وكانت وحدة البحث هي الأسرة وليس الفرد، أي أن المبحوث قدم وصفاً لتعرض الأسرة ككل للاعتداءات وليس المبحوث نفسه فقط. وشملت العينة في الأصل 3091 أسرة، لكن الدراسة اعتمدت فعلياً على النتائج الواردة من 2963 أسرة.