القاهرة – هيثم محمد الملتحون يدفعون ثمن أخطاء الإسلاميين. قال محمد ناهض سائق التاكسي الثلاثيني ذو اللحية الكثيفة شاكياً من تمييز يتعرض له بسبب لحيته: «كثير من الركاب يرفضون الركوب معي بسبب لحيتي»، وتعكس كلمات ناهض هذه التأثير بالغ السوء الذي تركته حالة الاستقطاب السياسي في مصر اجتماعياً، وهو الأمر الذي يخشى خبراء أن يتطور لحالات عنف ودم لاحقاً. وشهدت مصر مؤخراً حالة من الاستقطاب السياسي الحاد والعنيف منذ نهاية نوفمبر الماضي إثر إصدار الرئيس المصري محمد مرسي إعلاناً دستورياً وسع من سلطاته قدر ما وسع من الهوة الكبيرة بين معسكري المصريين الإسلامي والمدني. وأدى هذا الاستقطاب في حالات عدة لاشتباكات بطول البلاد وعرضها أسقطت قتلى وجرحى وزاد من مخزون الغضب وربما الكراهية في نفوس المصريين تجاه بعضهم بعضا بسبب السياسة. وانتقل الاستقطاب السياسي إلى الحياة اليومية لملايين المصريين الذين تعصبوا لتوجهاتهم السياسية ربما على حساب علاقتهم الاجتماعية. الصورة انعكست ورغم أن التمييز ضد أصحاب اللحية في مصر من قبل السلطات الأمنية انتهى منطقياً وعملياً بوصول الإسلاميين أنفسهم لسدة الحكم، خاصة مع حرص الرئيس المصري ورئيس وزرائه على إطلاق لحية خفيفة، إلا أن الأمر عاد من جديد من قبل المصريين أنفسهم. وعاني أصحاب اللحية في مصر من ملاحقات أمنية وتضييق كبير خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كما كان يحظر تعيينهم في مناصب حكومية مختلفة أو دخول أماكن معينة، وهو التضييق الذي قل تدريجياً وبشكل واسع. ويقول ناهض ل»الشرق»وهو يسترجع مواقف تعرض فيها للتمييز بسبب لحيته: «كثير من الركاب يرفضون ركوب التاكسي معي لظنهم أنني سلفي أو إخوان..خاصة في فترات الخلافات السياسية»، وتابع بحسرة «أحيانا أقف لشخص يطلب توصيله لمكان ما.. وعندما يجد لحيتي الكثيفة يغير رأيه». وأوضح ناهض، الذي قال إنه تعرض لتمييز من قبل الأمن بسبب لحيته، «ادفع ثمن أخطاء الإسلاميين رغم عدم انتمائي أو رضائي أصلاً عن أفعالهم». اللحية تصنف واتفق مسعود عبدالرحمن، شاب ملتحٍ (29 عاماً- محاسب) مع ناهض بقوله «نحن ندفع ثمن لحيتنا في كل وقت»، وتابع «نظام مبارك اضطهدنا بسببها وكثير من المواطنين العاديين يعاملوننا بجفاء وربما سوء لاعتقادهم بأننا ننتمي للإسلام السياسي». ويطلق المصريون لفظة «شيخ» على من يطلق لحيته، وهو الأمر الذي يعد فصلاً مجتمعياً واضحاً بين المصريين. ويقول مراقبون إن المجتمع المصري قد يدخل نفقاً مظلماً من العنصرية والتمييز لو استمر خلط السياسة بالأوضاع الاجتماعية بهذا الشكل. ويقول محمد إبراهيم، (35 عاماً – صاحب صيدلية) ل»الشرق»: «منذ أن أعفيت لحيتي وأنا أعانى من التصنيف ووضعت في خانة شيخ»، وأضاف «بعضهم يحاول تصنيفي ضمن اتجاه معين». وقال إبراهيم «سؤال بعضهم لي حول انتمائي السياسي بين الإخوان والسلفيين بسبب لحيتي أمر يضايقني»، «أشعر أنه سؤال يهدف لتصنيفي وكيفية التعامل معي وفقاً لإجابتي». لكن إبراهيم أضاف بحزم «لا أنتمي لأي منهما.. أنتمي فقط لرسول الله». تمييز متبادل وتقول الدكتورة مي مجيب، أستاذ مساعد العلوم السياسية في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة، إن التمييز ضد اللحية له بعدان، موضحة ل «الشرق»، «أولاً تمييز مبدئى من قبل الليبراليين -بيسموا نفسهم كده- وهم غير مرحبين باللحية فى حد ذاتها» وتابعت «أو تمييز ناتج عن خبرة غير جيدة مع هؤلاء». وأشارت مجيب إلى أن التمييز متبادل، قائلة «هناك أيضا سائقون وبائعون لا يتعاملون مع سافرات أو مع من يرتدي القميص والبنطلون إلا بامتعاض شديد». وقالت مجيب «الظاهرة مجتمعية – سياسية بامتياز ..السياسة داخلة فى كل حاجة». وأضافت «الأمر له علاقة بالسياسة خصوصاً بعد كذب ونفاق أربابها.. يوعدون ويخلفون فتكون صورة نمطية عند بعضهم». خشية من صدام دموي ونظم التيار الإسلامي مليونيات حاشدة للسلفيين للمطالبة بالشريعة شارك فيها عشرات الآلاف من أصحاب الذقون الكثيفة والجلابيب القصيرة كانت أولها جمعة قندهار في يوليو 2011 وهو ما تكرر لاحقاً عدة مرات. وقالت مجيب «الحدث الفصل هو مليونيات الشريعة اللى اتعملت حتى قبل مرسى، الحقيقة.. الموضوع أبعد من وصول الإخوان للحكم». وتخشى مجيب أن يتطور الأمر إلى الأسوأ بقولها «قد يؤدي هذا الاحتقان إلى حدوث صدام عنيف وربما دموي.. وهو أمر متوقع لكن على المدى البعيد». ورغم إحساس آلاف من أصحاب اللحى بأن وصول الإسلاميين للحكم في مصر سينهي معاناتهم بسبب لحاهم، إلا أن الأداء السياسي غير المرضي للإسلاميين خلق نوعاً جديداً من التمييز ضد اللحية، وهو تمييز سياسي لا أمني هذه المرة.