أكد خبراء ماليون ومحللون اقتصاديون أن التكهّن بهجرة رؤوس الأموال السعودية إلى دول الخليج، تجنباً لتبعات قرار وزارة العمل القاضي برفع رسوم العامل الوافد من مائة ريال إلى 2400 ريال، سابق لأوانه، متفقين على أن القرار له آثار سلبية خطرة على المواطن، الذي سيتحمل الارتفاع المتوقع للأسعار، محذرين في الوقت نفسه من أن القرار ربما يؤدي إلى اختفاء المنشآت الصغيرة والمتوسطة من قطاع الأعمال السعودي. وأشار المستشار المالي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية أحمد الجبير، أن «حجم استثمارات قطاع المقاولات في السعودية يزيد على تريليون ريال، موزعة على 130 ألف مقاول، في 150 ألف مؤسسة وشركة، يعمل فيها نحو سبعة ملايين عامل، 98% منهم أجانب». وقال إن «قرار وزارة العمل سيؤثر في رأس المال الوطني، وسيقلل من نمو هذا القطاع، لأن من سيدفع الثمن هو صاحب العمل (المواطن)»، مشيراً إلى أن هذا القرار يشبه إلى حد كبير تجربة المصانع حين أقفلت معامل الذهب في السعودية، بسبب قرار غير مدروس، وذهبت هذه المصانع إلى الدول المجاورة خاصة دولة الإمارات، وكذلك المدارس الأهلية، عندما أجبرتها الدولة على رفع رواتب معلميها وموظفيها، فقامت برفع رسوم الدراسة إلى الضعف، وتحمل المواطن هذه الزيادة»، مضيفاً «القرار قد يتسبب في هروب الشركات السعودية للدول المجاورة، كالإمارات وقطر والبحرين»، مبيناً أن «القرار لم يحظَ بمهلة لدراسته قبل تطبيقه مثل بقية القرارات الأخرى، حتى يتسنى للمقاولين والتجار والمؤسسات والشركات تدبير أمورهم بتوظيف سعوديين إن وجدوا، أو ترحيل العمالة الوافدة»، مؤكداً أن «القرار يفترض أن يكون تطبيقه متدرجاً، بحيث لا تفرض السعودة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنفس النسبة التي تفرض على المؤسسات والشركات الكبيرة التي لديها القدرة على التعليم والتدريب». وحول عزوف كثير من الشباب عن الاستثمار في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتأثيره السلبي على جميع القطاعات الاقتصادية نتيجة قرار الوزارة، أشار الجبير إلى أن سوق العمل في السعودية يحتاج إلى إعادة صياغة وليس إلى قرارات فردية». وقال: «سوق العمل لدينا يسع الجميع سواء كانوا أجانب أم مواطنين، ومع الأسف، لا توجد دراسات وبحوث خاصة بسوق العمل السعودي، كما أن الاحترافية والمهنية تنقصه وتسيطر عليه المحسوبية والعنصرية». وأوضح الجبير أن «قرار ال2400 ريال سيقضي على الطبقة الصغيرة والمتوسطة من التجار، وسيساعد الشركات الكبيرة على الاحتكار، والتحكم في السوق، وسترتفع جميع الأسعار على المستهلك حينها»، مضيفاً أن «القرار سيساعد على خروج كثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة من السوق، وسيزيد من معاناة الدولة في تعثر المشروعات، وخاصة تلك المشروعات التي تستوعب عمالة وافدة كبيرة، كما سيرفع من أجور اليد العاملة، وسينعكس ذلك على ارتفاع أسعار المواد والخدمات، وسيهدد معظم هذه المنشآت بالإغلاق أو الإفلاس بعد تكبد خسائر كبيرة، وخاصة المنشآت الخدمية، التي تكون فيها العمالة الوافدة أكثر من العمالة الوطنية لطبيعة أعمالها اليدوية، منها على سبيل المثال قطاع الزراعة، وقطاع التشييد والبناء، وقطاع المقاولات، وغيرها من القطاعات التي تستوعب أكبر عدد ممكن من العمالة الوافدة، وسيقوم برفع أسعار جميع المواد دون استثناء، وسيواجه المواطن موجة غلاء كبيرة حينها». وأضاف الجبير أن «الضحية في هذا القرار هو رأس المال الوطني، وأقصد بها مشروعات الدولة، وسترتفع الكلفة عليها، وتستنزف خزينتها بقرار غير مدروس، والضحية الثانية هو المواطن، ورجال الأعمال، الذين يحق لهم أن يطالبوا بإنصافهم، خاصة وأنهم يستثمرون داخل وطنهم، ويُسهمون في تعزيز النمو الاقتصادي، فرفع كلفة العامل الأجنبي عليهم، فيه كثير من الضرر على السعوديين وغير السعوديين»، مشيراً إلى أن هذا القرار سيكبد المؤسسات والشركات السعودية خسائر مالية تتجاوز عشرين مليار ريال سنوياً، ويؤثر على تنفيذ العقود الحكومية الملتزم بتنفيذها، وخاصة التي أبرمت قبل صدور القرار، لذا يفترض على الدولة منح المقاولين فرصة حتى إنهاء العقود التي أبرمت معهم قبل صدور القرار، حتى لا يتسبب هذا القرار في إغلاق أو إفلاس كثير من المؤسسات والشركات». وأضاف الجبير «لا يوجد في تصوري جهات رقابية وإشرافية تحدّ من هجرة رؤوس الأموال الوطنية، ولا توجد ضوابط تنظيمية لذلك أيضاً، فهذا قرار غير مدروس، خاصة إذا علمنا أن خيرات هذا البلد تكفي لتشغيل المواطنين والمقيمين فيه، ولكن المسؤولين والمخططين لدينا ليسوا على قدر كافٍ من الاحتراف والمهنية، لافتتاح مشروعات جديدة، تستوعب أبناء وبنات هذا الوطن والمقيمين عليه»، مؤكداً أن «الوضع في سوق العمل السعودي أصبح غير مستقر وغير مشجع، سواء لصاحب عمل أو المستثمر، لعدم وجود الأنظمة والقوانين، التي تسهل أعمالهم وتساعدهم على الاستثمار في الوطن». وأوضح المستشار الاقتصادي الدكتور عبدالله الحربي، أن هذا القرار الغرض منه الحد من تزايد العمالة الوافدة في المملكة، ولكن توقع أن يعالج القرار ظاهر المشكلة، وليس المشكلة نفسها، وهي إيجاد فرص عمل تناسب السعوديين، كون جميع الفرص الحالية لا تعدّ فرصاً حقيقية. وأشار الحربي إلى أن قرار ال2400 ريال لن يؤثر على أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في المملكة، ولكن تؤثر على التاجر الصغير، إضافة إلى المستهلك». واستبعد الحربي أن تكون هناك هجرة لرؤوس الأموال السعودية، مشيراً إلى أن الأثر السلبي سيكون على المواطن بشكل أكبر». عبدالله الحربي