جمعان العارف ما أجمل أن تكون الحياة سهلة ومبسطة يعيش فيها الإنسان بكل راحة، وقد اجتهد في ذلك كثيراً وأبدع واستكشف واخترع بهدف أن يجد بذلك ما يريح به نفسه من عنائها. ولكن ما أصبحنا عليه أو ما حصلنا عليه من التقنية أحدثت نقلة نوعية، فأصبحت الخدمات تقدم بدون أدنى حركة؛ لتشعر بذلك أن الحياة قد توقفت وأنك قد تحولت إلى كائن ريموتي. فأنت تجول العالم بناظريك دونما أن تتحرك من موضعك، فما أن تمسك بالريموت إلا وركبت في سفينة الأحلام متنقلاً بذلك من بلد لآخر، ومن قناة لثانية دون أي تركيز على شيء معين، وكأننا نبحث عن شيء لا نعرفه أصلاً أو ليس له وجود. تتلاحق الصور والعبارات مع كل ضغطة على الريموت.. ولأصور لك عزيز القارئ الرحلة الفضائية التي تتم وأنت راكب في سفينة أحلامك المتنقلة بين الأقمار الصناعية.. فترى أن هنالك كثيراً من القنوات التي أعطت حيزاً ومجالاً من برامجها للذين يتنافسون على الإفتاء وكل منهم له مذهب وطريقة، وكأن الاديان شرعت لهم وهم من يقومون بتوزيعها ونقلها كل بطريقته وكيفما اتفق معه. ولتجد أن أخرى رفعت لواء المشاعر والدفاع عن الحقوق وخصصت كل برامجها لنقل المآسي والأوجاع ليشعر بها كل من حولها وكل من هو بعيد عنها. ومنها من تاه به العنوان وفقد الأحاسيس وروج للكلام السفيه والأغاني الهابطة (فالفواكه والحيوانات) أصبحت عناوين ورموزاً لكثير من الأغاني! والمحزن والمؤلم هو ما أنفقه كثير من الأثرياء لكي يحضر بعض الفتيات ليجني من ورائهن المال؛ وذلك من خلال الوقوف والتمايل والملابس غير المحتشمة، وليصنع بذلك مسابقة أقرب للسخرية، فمذيعتنا الفاتنة تسأل أسئلة في غاية التفاهة والتليفونات تنهال عليها. لتحمل لك هذه القنوات والبرامج رسالة حاسمة وجازمة بأن بُشراك أيها المتبلد خلف شاشة التليفزيون فلا مشكلة تصبح مستعصية، فالحل لها أصبح متوافراً، فقط اجلس أمام التليفزيون والريموت في يدك.. وكل الأمور مقضية بعون الله.. والحلول كلها (تصلك بالمجان) وأنت خلف شاشتك الصغيرة. وسأذكركم ونفسي بمقولة للكاتب بنيامين فرانكلين التي ذكر فيها أن (الحياة الترفيهية وحياة الكسل هما شيئان سيكون هناك منهما ما يكفي من النوم في القبر). لأترك الباب مفتوحاً لمن يسأل هل التقنية التي وصلنا لها خلف شاشتنا الصغيرة أمدتنا بالكسل أم أنها وسائل للترفيه؟